من قال إن الحرب السورية انتهت (1)

| راغدة درغام

لن‭ ‬تأتي‭ ‬التهدئة‭ ‬المؤقتة‭ ‬بنزع‭ ‬فتيل‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬بأي‭ ‬استقرار‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬لأن‭ ‬قمة‭ ‬الغرِيمين‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬والرئيس‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬مُعالجة‭ ‬الخِلافات‭ ‬الجدّية‭ ‬ونجحت‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬إنقاذ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬لزعِيمين‭ ‬عَنيدين‭ ‬وسط‭ ‬غليان‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ - ‬التركية،‭ ‬بالذات‭ ‬العسكرية‭.‬

لم‭ ‬تؤدِ‭ ‬القمة‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬سياسية‭ ‬لسوريا‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬لوقف‭ ‬نارٍ‭ ‬دائم‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬أدوار‭ ‬الضامِنين‭ ‬لوقف‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬اتفاقيات‭ ‬“أستانة”‭ ‬التي‭ ‬ضمّت‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬غياب‭ ‬إيران‭ ‬الكُلّي‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قواتها‭ ‬وقوات‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬تُشارك‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬إدلب،‭ ‬إنما‭ ‬يعكس‭ ‬أمرين‭: ‬الأول،‭ ‬تصنيف‭ ‬بوتين‭ ‬وأردوغان‭ ‬لنفسيهما‭ ‬بأنهما‭ ‬عملاقان،‭ ‬وأن‭ ‬الآخرين‭ ‬ملاحق‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬والثاني،‭ ‬أن‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬“كورونا”‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬أيقظ‭ ‬القيادات‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬تحوّله‭ ‬إلى‭ ‬وباء‭ ‬لن‭ ‬يتمكّن‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬احتوائه‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬الملالي‭ ‬يرفضون‭ ‬تبنّي‭ ‬إجراءات‭ ‬يعتبرونها‭ ‬مُنافية‭ ‬للدين‭ ‬كمنع‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭. ‬“حزب‭ ‬الله”،‭ ‬بِدوره‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬مآزقه‭ ‬العديدة‭ ‬داخل‭ ‬لبنان‭ ‬وإقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬وهو‭ ‬ضَالع‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬إدلب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬لكنه‭ ‬مُنشغل‭ ‬بالتحدّيات‭ ‬التي‭ ‬تُطوّقه‭ ‬والمخاطر‭ ‬الآتية‭ ‬عليه‭ ‬وتُهدده‭ ‬بالانهيار‭ ‬إذا‭ ‬ثابر‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬لبنان‭ ‬برُمّته‭ ‬إلى‭ ‬الانهيار‭. ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬كان‭ ‬حاضراً‭ ‬غائباً‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬موسكو‭ ‬التي‭ ‬توجّه‭ ‬أردوغان‭ ‬إليها‭ ‬مُرغماً‭ ‬بعدما‭ ‬حاول‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬أنقرة‭ ‬ثم‭ ‬سوتشي‭ ‬لكنه‭ ‬واجه‭ ‬رفض‭ ‬بوتين‭ ‬القاطع‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬القمة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الروسية‭.‬

وافق‭ ‬أردوغان‭ ‬مُرغَماً‭ ‬بعدما‭ ‬طوّقته‭ ‬حملة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬عليه‭ ‬واتهمته‭ ‬بابتزاز‭ ‬أزمة‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬نحو‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ - ‬فقرر‭ ‬عدم‭ ‬فتح‭ ‬جبهات‭ ‬إضافية‭ ‬عليه‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬موقعه‭ ‬داخل‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬ناتو‭) ‬ليس‭ ‬أبداً‭ ‬قوياً‭. ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬المميّزة‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬حلف‭ ‬“الناتو”‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬بأردوغان‭ ‬ولا‭ ‬يُعجبها‭ ‬ما‭ ‬حاول‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬قبل‭ ‬تصادمه‭ ‬مجدداً‭ ‬عندما‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬منظومة‭ ‬S-400‭ ‬الروسية‭ ‬المضادة‭ ‬للصواريخ‭ ‬رغم‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الأميركية‭ ‬ومعارضة‭ ‬بقية‭ ‬أعضاء‭ ‬الـ”ناتو”‭. ‬

هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬مازالت‭ ‬مُعلّقة‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬تصنيعها‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬فيما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مازالت‭ ‬تدرس‭ ‬إمكانية‭ ‬التعويض‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬تركيا‭ ‬بمنظومة‭ ‬“الباتريوت”‭ - ‬والاحتمال‭ ‬ضعيف‭ ‬جداً‭. ‬فما‭ ‬يريده‭ ‬أردوغان‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬سوريا،‭ ‬إنما‭ ‬له‭ ‬طموحات‭ ‬إقليمية‭ ‬وتداعيات‭ ‬داخلية‭. ‬“إيلاف”‭.‬