حالات استحالة تنفيذ العقد

| د. عبدالقادر ورسمه

العقد‭ ‬له‭ ‬قوة‭ ‬ملزمة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬المدني‭ ‬البحريني‭ ‬وهو‭ ‬شريعة‭ ‬المتعاقدين‭.‬

ولهذا،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لأحدهما‭ ‬أن‭ ‬يستقل‭ ‬بنقضه‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬أحكامه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬به‭ ‬الاتفاق‭ ‬أو‭ ‬يقضي‭ ‬به‭ ‬القانون‭. ‬

هذه‭ ‬قاعدة‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬ومنها‭ ‬تستقر‭ ‬المعاملات‭ ‬وتسير‭ ‬الأمور‭ ‬لتحقيق‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬بالتراضي‭ ‬وتوفر‭ ‬النية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬يجب‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقد‭ ‬طبقا‭ ‬لما‭ ‬يتضمنه‭ ‬من‭ ‬أحكام،‭ ‬وبطريقة‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يقتضيه‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬وشرف‭ ‬التعامل‭. ‬وإلا‭ ‬انفرط‭ ‬العقد‭. ‬

وبموجب‭ ‬أحكام‭ ‬القانون،‭ ‬إذا‭ ‬طرأت‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬العقد‭ ‬وقبل‭ ‬تمام‭ ‬اكتمال‭ ‬تنفيذه،‭ ‬ظروف‭ ‬استثنائية‭ ‬عامة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الوسع‭ ‬توقعها‭ ‬عند‭ ‬إبرام‭ ‬العقد،‭ ‬وترتب‭ ‬على‭ ‬حدوثها‭ ‬أن‭ ‬تنفيذ‭ ‬الالتزام‭ ‬الناشئ‭ ‬عنه‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬مستحيلا،‭ ‬صار‭ ‬مرهقا‭ ‬للمدين،‭ ‬بحيث‭ ‬يهدده‭ ‬بخسارة‭ ‬فادحة،‭ ‬جاز‭ ‬للقاضي‭ ‬بعد‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬مصلحة‭ ‬الطرفين‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬الالتزام‭ ‬المرهق‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬المعقول،‭ ‬بأن‭ ‬يضيق‭ ‬من‭ ‬مداه‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭ ‬في‭ ‬مقابله،‭ ‬ويقع‭ ‬باطلا‭ ‬كل‭ ‬اتفاق‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬الآن،‭ ‬بسبب‭ ‬وباء‭ ‬“كورونا”،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬يسبب‭ ‬ظروفا‭ ‬استثنائية‭ ‬عامة،‭ ‬خارج‭ ‬ظروف‭ ‬العقد‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬الخطير‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬كبح‭ ‬جماحه‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬“وباء”‭ ‬عاما‭ ‬يهدد‭ ‬الجميع‭. ‬

بالطبع،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الوسع‭ ‬توقع‭ ‬“كورونا”‭ ‬أثناء‭ ‬إبرام‭ ‬العقود‭ ‬السارية‭. ‬وما‭ ‬نشهده‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬اجراءات‭ ‬تحفظية‭ ‬احترازية‭ ‬للسيطرة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الفيروس،‭ ‬سيؤدي‭ ‬لآثار‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الالتزامات‭ ‬بموجب‭ ‬العقود‭ ‬والقانون‭. ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬قد‭ ‬تصبح‭ ‬مقابلة‭ ‬الالتزامات‭ ‬“مرهقة”‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬نواحي‭ ‬ولكنها‭ ‬ليست‭ ‬مستحيلة‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬لمرحلة‭ ‬“استحالة”‭ ‬تنفيذ‭ ‬التزامات‭ ‬العقد‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬العقد‭ ‬مفسوخا‭ ‬نظرا‭ ‬للاستحالة‭. ‬وبالنسبة‭ ‬للوضع‭ ‬“المرهق”‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الالتزامات‭ ‬بسبب‭ ‬“كورونا”‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬للخسارة،‭ ‬يجوز‭ ‬للمحاكم‭ ‬تحقيق‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬مصلحة‭ ‬الطرفين‭ ‬برد‭ ‬الالتزام‭ ‬المرهق‭ ‬للحد‭ ‬المعقول‭.‬

وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬“فسخ‭ ‬العقد”‭ ‬بل‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬“الموازنة”‭ ‬بين‭ ‬مصلحة‭ ‬الطرفين،‭ ‬ويقع‭ ‬باطلا‭ ‬كل‭ ‬اتفاق‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭.‬