أنسنة

كورونا والتضامن المطلوب

| رجاء مرهون

قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة،‭ ‬عاش‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ - ‬وهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬تحديدا‭ - ‬على‭ ‬وقع‭ ‬حالة‭ ‬القلق‭ ‬والترقب‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬عمل‭ ‬عسكري‭ ‬موسع‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حرب‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وإيران،‭ ‬وتفاعلا‭ ‬مع‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬قائما‭ ‬ووشيكا‭ ‬آنذاك،‭ ‬انبرى‭ ‬المحللون‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬والسياسيون‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بمدى‭ ‬احتمالية‭ ‬وقوع‭ ‬الخطر‭ ‬من‭ ‬عدمه‭.‬

أما‭ ‬الآن،‭ ‬وبعد‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة،‭ ‬يفاجئنا‭ ‬القدر‭ ‬بمعركة‭ ‬شرسة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬فلم‭ ‬نكن‭ ‬قبل‭ ‬شهرين‭ ‬مثلا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬نخوض‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬والإجراءات‭ ‬لمواجهة‭ ‬كائن‭ ‬لا‭ ‬نراه‭ ‬بأعيننا‭ ‬المجردة‭ ‬ولكنه‭ ‬تمكن‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬تحت‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬الاحترازي‭ ‬وعزل‭ ‬مدن‭ ‬بأكملها‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي،‭ ‬شكل‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬تحديا‭ ‬للأجهزة‭ ‬الحكومية‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬مثله‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬لسنوات،‭ ‬وبحسب‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬جهود‭ ‬البحرين‭ ‬الجبارة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفيروس‭ ‬تشكل‭ ‬نموذجا‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬وهذه‭ ‬بمثابة‭ ‬شهادة‭ ‬دولية‭ ‬للفريق‭ ‬الوطني‭ ‬المعني‭ ‬بإدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمين‭ ‬نائب‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬النائب‭ ‬الأول‭ ‬لرئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭.‬

ويصعب‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬جهود‭ ‬مكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬اليوم‭ ‬دون‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬جنود‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وهم‭ ‬طواقمنا‭ ‬الطبية‭ ‬الذين‭ ‬تميزوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بحس‭ ‬عال‭ ‬ومسؤولية‭ ‬كبيرة،‭ ‬حركتهم‭ ‬حتى‭ ‬منازل‭ ‬العائدين‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬موبوءة‭ ‬لأخذ‭ ‬العينات،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬مسؤول‭ ‬لم‭ ‬نره‭ ‬قبلا‭.‬

لا‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬قرب‭ ‬انتهاء‭ ‬كورونا،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تكاتفنا‭ ‬وتعاضدنا‭ ‬سيسهل‭ ‬عبور‭ ‬ما‭ ‬تبقى،‭ ‬وأن‭ ‬الحديث‭ ‬بخطاب‭ ‬وطني‭ ‬أمر‭ ‬ضروري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭.‬

ختاما،‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬التنوية‭ ‬بأن‭ ‬فكرة‭ ‬التضامن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬بعث‭ ‬المسجات‭ ‬الإيجابية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تتطلب‭ ‬مواقف‭ ‬وطنية‭ ‬تجاه‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬فسواق‭ ‬حافلات‭ ‬نقل‭ ‬طلبة‭ ‬الروضات‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات‭ (‬النقل‭ ‬الخاص‭) ‬الذين‭ ‬اضطروا‭ ‬للتوقف‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬لمدة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لشهر‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬معرضون‭ ‬لخطر‭ ‬خسارة‭ ‬دخلهم‭ ‬الشهري‭ ‬الذي‭ ‬يعيلون‭ ‬منه‭ ‬أسرهم،‭ ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬لنا‭ ‬الفرصة‭ ‬لإظهار‭ ‬التضامن‭ ‬معهم‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬رسوم‭ ‬المواصلات‭ ‬إليهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يأتينا‭ ‬فرج‭ ‬الله،‭ ‬وكلي‭ ‬ثقة‭ ‬بأن‭ ‬يقف‭ ‬السواق‭ ‬مع‭ ‬الأسر‭ ‬والعمل‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬تمديد‭ ‬الأيام‭ ‬المدرسية‭ ‬تعويضا‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬التعليق‭.‬