الأرشيف العتيد 2

| د. عبدالله الحواج

سبحان‭ ‬الشافي،‭ ‬سبحان‭ ‬المعافي،‭ ‬سبحانك‭ ‬ربي،‭ ‬لا‭ ‬أشبه‭ ‬الليلة‭ ‬بالبارحة،‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬فيه‭ ‬بالأمس،‭ ‬وما‭ ‬أصبحنا‭ ‬عليه‭ ‬اليوم،‭ ‬كنا‭ ‬نضرب‭ ‬أخماسًا‭ ‬في‭ ‬أسداس،‭ ‬عندما‭ ‬ضرب‭ ‬“كورونا”‭ ‬الباب‭ ‬ودخل‭ ‬إلى‭ ‬بيوتنا‭ ‬فيروسًا‭ ‬أو‭ ‬وهمًا‭ ‬أو‭ ‬ذعرًا،‭ ‬أو‭ ‬احترازًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استئذان،‭ ‬وما‭ ‬أحلانا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬نصحو‭ ‬فيه‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬مواطنينا‭ ‬يشفون‭ ‬من‭ ‬الكابوس‭ ‬اللعين،‭ ‬يختلطون‭ ‬بذويهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬صداع‭ ‬ولا‭ ‬كحة‭ ‬ولا‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬التنفس‭ ‬ولا‭ ‬يحزنون‭.‬

إنه‭ ‬الموقف‭ ‬الشعبي‭ ‬والمؤسسي‭ ‬بعد‭ ‬الامتثال‭ ‬للقرارات‭ ‬الشجاعة‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬دعا‭ ‬فيها‭ ‬بمباركة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬كل‭ ‬مفردات‭ ‬الوطن،‭ ‬ومختلف‭ ‬مؤسساته‭ ‬الشعبية‭ ‬والرسمية‭ ‬للوقوف‭ ‬صفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الهجمة‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬تسللت‭ ‬إلى‭ ‬بلادنا‭ ‬خلسة‭ ‬وتحمل‭ ‬اسم‭ ‬فيروس‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”‭ ‬أو‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيها‭.‬

مبادرة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد،‭ ‬مباركة‭ ‬جلالة‭ ‬العاهل‭ ‬ووقفة‭ ‬الشعب‭ ‬الوفي‭ ‬تؤكد‭ ‬صحة‭ ‬ومتانة‭ ‬البنيان‭ ‬المرصوص‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬لبنته‭ ‬الصلبة،‭ ‬وأرسى‭ ‬معالمه‭ ‬الأصيلة‭ ‬والد‭ ‬الجميع‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭.‬

إن‭ ‬دل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬إنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬بحريننا‭ ‬الغالية‭ ‬تتجلى‭ ‬دائمًا‭ ‬وتثبت‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالًا‭ ‬للشك‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬وعكة‭ ‬طارئة‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كانت،‭ ‬وأنها‭ ‬تنهض‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬منعطف‭ ‬وكأنها‭ ‬سد‭ ‬منيع‭ ‬تجاه‭ ‬الأزمات،‭ ‬وتخرج‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬نفق‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬منعة،‭ ‬وأصدق‭ ‬وعدًا،‭ ‬وأعمق‭ ‬حسًا‭ ‬بالتحدي‭.‬

إن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬هكذا‭ ‬وحدة‭ ‬عضوية‭ ‬واحدة‭ ‬قادتها‭ ‬وحكومتها‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وشعبها،‭ ‬جميعهم‭ ‬جميعهم‭ ‬يخوضون‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافر‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬المعارك‭ ‬والاختبارات،‭ ‬حالات‭ ‬عدم‭ ‬التأكد‭ ‬وضعف‭ ‬التيقن‭ ‬والشائعات،‭ ‬لكن‭ ‬شعبها‭ ‬الوفي،‭ ‬وقادتها‭ ‬الحكماء‭ ‬يفهمون‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬والعبارة‭ ‬والعيون‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬شعبهم،‭ ‬ويدركون‭ ‬تمام‭ ‬الإدراك‭ ‬بأن‭ ‬“كورونا”‭ ‬وخلافه،‭ ‬وأن‭ ‬التحديات‭ ‬الوافدة‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إنتاجها‭ ‬من‭ ‬القريب‭ ‬البعيد‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬المسؤولية،‭ ‬تنكسر‭ ‬شوكتها‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬هضاب‭ ‬بلادنا،‭ ‬تختفي‭ ‬طلتها‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬ظل‭ ‬صعب‭ ‬يحاول‭ ‬التخفي‭ ‬تحت‭ ‬جلودنا،‭ ‬أو‭ ‬وسط‭ ‬سواترنا‭ ‬البشرية،‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬ضفاف‭ ‬شواطئنا‭ ‬الأبية‭.‬

“كورونا”‭ ‬مجرد‭ ‬مرض‭ ‬عابر‭ ‬للحدود‭ ‬أتى‭ ‬إلينا‭ ‬مثلما‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬غيرنا،‭ ‬استقبلناه‭ ‬بالإرادة‭ ‬القوية‭ ‬والعزيمة‭ ‬المباغتة،‭ ‬والحصانة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفتية،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يُثار‭ ‬عن‭ ‬شراسة‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬هبته،‭ ‬وعن‭ ‬آثاره‭ ‬وتداعياته‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬البشرية،‭ ‬وعن‭ ‬آليات‭ ‬التعامل‭ ‬معه،‭ ‬ومستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وحقيقة‭ ‬التشخيص‭ ‬الدقيق‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬مشكوكًا‭ ‬في‭ ‬صحتها‭.‬

رغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجلبة،‭ ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬الجبروت‭ ‬البيولوجي‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬“مجهول”‭ ‬والمقيد‭ ‬ضد‭ ‬“مجهول”،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬ننتبه‭ ‬لهذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬استمعنا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لوصايا‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬ومشينا‭ ‬اليوم،‭ ‬على‭ ‬سراطه‭ ‬وسجاياه،‭ ‬فكان‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬منطلقًا‭ ‬من‭ ‬أرضية‭ ‬أكثر‭ ‬رسوخًا‭ ‬عند‭ ‬مواجهة‭ ‬الشدائد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬وأصبحت‭ ‬المباركة‭ ‬الجليلة‭ ‬من‭ ‬جلالة‭ ‬العاهل‭ ‬الكريم‭ ‬دليلًا‭ ‬جديدًا‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬المنصة‭ ‬التاريخية‭ ‬الرصينة،‭ ‬ومن‭ ‬الثوابت‭ ‬الوطنية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬ومن‭ ‬العلامات‭ ‬المحفورة‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬مفعمة‭ ‬بوحدة‭ ‬وطن،‭ ‬والمرسوم‭ ‬طريقها‭ ‬من‭ ‬رائد‭ ‬نهضة‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلينا‭ ‬سالمًا‭ ‬معافى‭ ‬من‭ ‬رحلته‭ ‬الاستشفائية‭ ‬بالخارج‭ ‬ومعه‭ ‬رمز‭ ‬الوفاء‭ ‬والإجلال‭ ‬الابن‭ ‬الوفي،‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬أعادهما‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬غانمين‭ ‬ظافرين،‭ ‬بالعزة‭ ‬والصحة‭ ‬والشفاء‭ ‬الدائم‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

حفظ‭ ‬الله‭ ‬قادتنا‭.. ‬حفظ‭ ‬الله‭ ‬شعبها‭.. ‬حفظ‭ ‬الله‭ ‬البحرين‭.‬