ريشة في الهواء

وباء الجهل أخطر من الكورونا

| أحمد جمعة

الزمن‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرون،‭ ‬العام‭ ‬2020،‭ ‬المكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وفيما‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬بيات‭ ‬شتوي‭ ‬كوروني،‭ ‬جالت‭ ‬ببالي‭ ‬انطباعات‭ ‬سريالية،‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الكوكب‭ ‬السريالي،‭ ‬الذي‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الكواكب‭ ‬السيارة‭! ‬فعلى‭ ‬هامش‭ ‬مرض‭ ‬العصر‭ ‬كورونا،‭ ‬مرت‭ ‬خواطر‭ ‬سريعة‭ ‬من‭ ‬إيحاء‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬لقاح‭ ‬للمرض،‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬اكتشاف‭ ‬دواء‭ ‬أو‭ ‬لقاح‭ ‬للمرض‭ ‬الطارئ‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬سيناريو‭ ‬فيلم‭ ‬هوليوودي،‭ ‬داهمتني‭ ‬أفكار‭ ‬عابرة‭ ‬وأنا‭ ‬أتأمل‭ ‬الزوبعة‭ ‬الأممية‭ ‬بشأن‭ ‬كورونا،‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬يليق‭ ‬بحسناء‭ ‬فاتنة‭ ‬وليس‭ ‬بمرضٍ‭ ‬فتاك،‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬المصابون‭ ‬بهلعٍ‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬المنتشرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كورونا،‭ ‬وهي‭ ‬الجهل‭ ‬والفقر،‭ ‬الجشع‭ ‬والتخمة،‭ ‬الأفكار‭ ‬والمشاعر‭ ‬والعواطف‭ ‬المتطرفة،‭ ‬الإنسان‭ ‬انقسم‭ ‬لطيب‭ ‬وشرير،‭ ‬الأخيار‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يدفعون‭ ‬الثمن‭ ‬والأشرار‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يحصدون‭ ‬الأرباح‭ ‬بكلِ‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬المال،‭ ‬الاستغلال‭ ‬منتشر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السعادة،‭ ‬الفقراء‭ ‬يصدقون‭ ‬طبقة‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬السياسيين‭ ‬ثم‭ ‬يكتشفون‭ ‬أنهم‭ ‬كذبوا‭ ‬عليهم،‭ ‬ويقفز‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬المعدمين‭: ‬لماذا‭ ‬ازداد‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬ثراء‭ ‬وازداد‭ ‬الفقراء‭ ‬بؤسًا؟‭ ‬ثاروا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬والموجة‭ ‬العاتية‭ ‬ضد‭ ‬طغيان‭ ‬الاستغلال‭ ‬آتية‭ ‬لتغرق‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭ ‬بطوفانها‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬بدأ‭ ‬يصحو‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬الصادمة‭ ‬“إلى‭ ‬متى‭ ‬سيدوم‭ ‬الجهل؟”،‭ ‬كذبوا‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬العادي‭ ‬البسيط‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يصدق‭ ‬أنهم‭ ‬مع‭ ‬الفقراء‭ ‬وأن‭ ‬الجنة‭ ‬بانتظار‭ ‬الانتحاريين‭ ‬وأن‭ ‬أصحاب‭ ‬العمائم‭ ‬هم‭ ‬الأطهار‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬هم‭ ‬الكفار‭ ‬والأنجاس،‭ ‬حتى‭ ‬صدق‭ ‬الغوغاء‭ ‬هذا‭ ‬التلفيق‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انكسرت‭ ‬جرة‭ ‬الكذب‭ ‬وأفرغت‭ ‬براميل‭ ‬الجهل،‭ ‬ورغم‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬موجة‭ ‬ثورة‭ ‬على‭ ‬الجهل‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الفقير‭ ‬والبسيط‭ ‬والذي‭ ‬صدق‭ ‬أن‭ ‬الفقراء‭ ‬لهم‭ ‬الجنة،‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الجنة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الحاضرة‭ ‬اليوم‭ ‬التي‭ ‬تنعم‭ ‬فيها‭ ‬الطبقات‭ ‬السياسية،‭ ‬كانت‭ ‬تأخذ‭ ‬الثروة‭ ‬وتمنح‭ ‬الشعارات،‭ ‬وظفت‭ ‬الخطب‭ ‬الكلامية‭ ‬لتقنع‭ ‬الناس‭ ‬أنها‭ ‬معهم‭ ‬فرأينا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬وحسن‭ ‬نصرالله‭ ‬ومقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬وراشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬وخامنئي‭ ‬ومن‭ ‬خلف‭ ‬الستار‭ ‬مثقفين‭ ‬وكتابا‭ ‬وصحافيين‭ ‬ينضمون‭ ‬للجماهير‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ضدهم‭.‬

أخطر‭ ‬ما‭ ‬أصاب‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬اليوم‭ ‬هم‭ ‬الدجالون،‭ ‬حتى‭ ‬ساد‭ ‬التخلف‭ ‬وانتشر‭ ‬كورونا‭ ‬الجهل،‭ ‬وهو‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬مرض‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬كل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬دورة‭ ‬جديدة،‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬بحاجة‭ ‬لعقار‭ ‬جديد‭ ‬ولقاح‭ ‬لنتمكن‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬فيروسات‭ ‬الجهل‭ ‬المستشري‭ ‬بالحياة‭ ‬العربية،‭ ‬فداء‭ ‬كورونا‭ ‬قريب‭ ‬الخلاص‭ ‬منه‭ ‬لكن‭ ‬داء‭ ‬الجهل‭ ‬كم‭ ‬نحتاج‭ ‬للقضاء‭ ‬عليه؟‭ ‬فهل‭ ‬نتمكن‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬لقاح‭ ‬ضد‭ ‬وباء‭ ‬الجهل؟‭.‬

تنويرة‭: ‬لا‭ ‬يجتمع‭ ‬الحب‭ ‬والبخل‭ ‬معًا‭.‬