إيران... “الانقلاب العسكري” ومتطلبات المرحلة الجديدة (1)

| صالح القلاب

لم‭ ‬تمر‭ ‬إيران‭ ‬منذ‭ ‬انتصار‭ ‬الثورة‭ ‬الخمينية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬بأسوأ‭ ‬مما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬الآن،‭ ‬فأوضاعها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬متردية‭ ‬وغير‭ ‬مستبعد‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الانهيار‭ ‬إذا‭ ‬بقيت‭ ‬الأمور‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬وانتخاباتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬كانت‭ ‬مهزلة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬انقلاباً‭ ‬عسكرياً‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬انتخابات‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬إذْ‭ ‬إن‭ ‬“طغمة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري”‭ ‬أزاحت‭ ‬الجميع‭ ‬وسيطرت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وبات‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬مجرد‭ ‬واجهة‭ ‬لنظام‭ ‬قمعي‭ ‬أسوأ‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬الخميني،‭ ‬وأيضاً‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬في‭ ‬أيامه‭ ‬الأخيرة‭.‬

لقد‭ ‬جرت‭ ‬العادة،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬“تزوير”‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وأي‭ ‬انتخابات،‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مستغربة،‭ ‬أما‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬حتى‭ ‬قرار‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬جنرالات‭ ‬حراس‭ ‬الثورة،‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬ومعه‭ ‬زميله‭ ‬أبومهدي‭ ‬المهندس‭ ‬في‭ ‬انفجار‭ ‬تبناه‭ ‬الأميركيون‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تُوصف‭ ‬بأنها‭ ‬“الديمقراطية‭ ‬الإيرانية”‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬على‭ ‬الرفّ‭ ‬وبات‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العريق‭ ‬يخضع‭ ‬لطغمة‭ ‬عسكرية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سائداً‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أن‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬حركة‭ ‬“مجاهدي‭ ‬خلق”،‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬خطوة‭ ‬توحيدية‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نسمع‭ ‬عنها‭ ‬شيئاً،‭ ‬والمفترض‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬خلافاتها‭ ‬الثانوية‭ ‬وأن‭ ‬توحّد‭ ‬صفوفها‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬برنامج‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬لتستغل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬بالفعل‭ ‬سانحة،‭ ‬وتتخلص‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬“ديكتاتوري”،‭ ‬وتقيم‭ ‬نظام‭ ‬انتخابات‭ ‬ديمقراطياً‭ ‬يستحقه‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬العريق‭ ‬ومعه‭ ‬كل‭ ‬المكونات‭ ‬القومية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬العرب‭ ‬والأكراد‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثيرون‭.‬

لقد‭ ‬ثبت‭ ‬وبالأدلة‭ ‬القاطعة‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني،‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته‭ ‬القومية‭ ‬والمذهبية‭ ‬والدينية،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحتمل‭ ‬هذه‭ ‬الطغمة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬راهن‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ستستبدل‭ ‬بنظام‭ ‬الشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬نظاماً‭ ‬ديمقراطياً‭ ‬بقي‭ ‬الإيرانيون‭ ‬بكل‭ ‬مِللهم‭ ‬ونِحَلهم‭ ‬ينتظرونه‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وأن‭ ‬موقفه،‭ ‬أي‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني،‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬“الوهمية”‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬مسرحية‭ ‬هزلية،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬لحظة‭ ‬“التغيير‭ ‬الحقيقي”‭ ‬قد‭ ‬دنت‭ ‬فعلاً،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة‭ ‬هذه‭ ‬خلافاتها‭ ‬كلها،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬رئيسية،‭ ‬وأن‭ ‬تتكاتف‭ ‬وتغلّب‭ ‬الرئيسي‭ ‬على‭ ‬الثانوي‭ ‬وألا‭ ‬تفوّت‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭. ‬“الشرق‭ ‬الأوسط”‭.‬