سوالف

سن الخمسين

| أسامة الماجد

تعجبني‭ ‬مقولة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الرائع‭ ‬البير‭ ‬كامو‭ ‬وهي‭ (‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بيومه‭)‬،‭ ‬وقبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬اتصلت‭ ‬بأخي‭ ‬زياد‭ ‬الذي‭ ‬يقطن‭ ‬الشارقة‭ ‬للاطمئنان‭ ‬على‭ ‬أحوالهم‭ ‬مع‭ ‬“كورونا”‭ ‬وبقية‭ ‬الأسئلة‭ ‬العائلية‭ ‬المعتادة،‭ ‬لكنه‭ ‬فاجأني‭ ‬بسؤال‭ ‬ظل‭ ‬يلاحقني‭ ‬طوال‭ ‬اليوم،‭ ‬فبعد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأهل‭ ‬سألني‭ (‬لقد‭ ‬تخطينا‭ ‬الخمسين‭ ‬عاما‭ ‬ومازالت‭ ‬شجرة‭ ‬أحلامنا‭ ‬مغروسة‭ ‬في‭ ‬قلوبنا،‭ ‬أشعر‭ ‬أنني‭ ‬أثقل‭ ‬من‭ ‬خطاي‭ ‬وأبعد‭ ‬من‭ ‬اتجاهي،‭ ‬ماذا‭ ‬عنك‭ ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬وأنت‭ ‬تكبرني‭ ‬بسنتين،‭ ‬فأنا‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬الذي‭ ‬يعرفك‭). ‬

كان‭ ‬السؤال‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬الجهد‭ ‬للإجابة‭ ‬كونها‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬عادية‭ ‬انتهت‭ ‬بالإرشاد‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالصحة،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬السؤال‭ ‬وصرت‭ ‬أرى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬واضحا،‭ ‬نعم‭... ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الخمسين‭ ‬وبعد‭ ‬كم‭ ‬سنة‭ ‬سيطرق‭ ‬بابنا‭ ‬عمر‭ ‬الستين،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬عمر‭ ‬ميزته‭ ‬ونشاطه‭ ‬وطريقته‭ ‬ورسالته‭ ‬أيضا،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السن‭ ‬أنا‭ ‬منضبط‭ ‬بالمداومة‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتوفر‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬موضوعاتها‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مئة‭ ‬عام،‭ ‬وكل‭ ‬يوم‭ ‬يزداد‭ ‬القاموس‭ ‬ويتسع،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬متى‭ ‬سأتوقف‭. ‬في‭ ‬سن‭ ‬الثلاثين‭ ‬أنهيت‭ ‬كل‭ ‬روايات‭ ‬وقصص‭ ‬ديستوفيسكي،‭ ‬وهكذا‭.. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬يزداد‭ ‬إعجابك‭ ‬كشخص‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬ما‭. ‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬فرانك‭ ‬كابريو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الجميل‭ ‬“عش‭ ‬مطمئن‭ ‬النفس”،‭ ‬وتحت‭ ‬عنوان‭ ‬“الحياة‭ ‬المتزنة‭ ‬بعد‭ ‬الخمسين”‭: ‬إن‭ ‬العقل‭ ‬لا‭ ‬يهرم‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬ندع‭ ‬أفكارنا‭ ‬تتجمد‭ ‬وتسد‭ ‬طريق‭ ‬التقدير،‭ ‬العقل‭ ‬ينضج‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يهرم‭ ‬كباقي‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬التدهور‭ ‬بطيئة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تتضح‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭. ‬فكل‭ ‬عمل‭ ‬تستطيع‭ ‬أداءه‭ ‬حسنا‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العشرين‭ ‬أو‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين،‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تؤديه‭ ‬تمام‭ ‬الأداء‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الستين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العقلية‭ ‬فليست‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬التقاعد،‭ ‬وكلما‭ ‬كبر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬قيمة‭.‬