وَخْـزَةُ حُب

لا تستخفّ بالنُكَت!

| د. زهرة حرم

هل‭ ‬لاحظتم‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬النكتة‭ ‬تنتعش‭ ‬بشكل‭ ‬عجيب‭ ‬فترة‭ ‬الأزمات،‭ ‬وكأنها‭ ‬تجد‭ ‬ضالتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مصيبة‭! ‬تعتاش‭ ‬عليها،‭ ‬وترتوي‭ ‬من‭ ‬معينها‭! ‬فالمصائب‭ ‬والحوادث‭ ‬مادتها‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها،‭ ‬وترتكز‭ ‬على‭ ‬أساسها،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬تستغربوا‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تنتشر‭ ‬النكات‭ ‬كلما‭ ‬رأيتم‭ ‬العالم‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬محنة؛‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬نوعها؛‭ ‬اجتماعية،‭ ‬أو‭ ‬اقصادية،‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬وأيًا‭ ‬كان‭ ‬تفسير‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬اللافتة؛‭ ‬فإن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مراء‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬تغييب،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النكتة‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬مجموع؛‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬حصيلة‭ ‬مجتمع،‭ ‬أو‭ ‬شعوب‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صنعتها‭ ‬وأخرجتها‭ ‬إلى‭ ‬النور؛‭ ‬لتشيع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأوساط،‭ ‬وتغادر‭ ‬محيطها‭ ‬الضيق‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬في‭ ‬طرفة‭ ‬عين‭ ‬صاروخية‭.‬

يعيش‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬أزمة‭ ‬الكورونا؛‭ ‬يرتعش‭ ‬حينًا،‭ ‬ويضحك‭ ‬حينًا‭ ‬آخر‭! ‬يتباكى‭ ‬ساعة،‭ ‬ويتندر‭ ‬أخرى‭! ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬خوفه‭ ‬والهلع‭ ‬الذي‭ ‬أقعده‭ ‬في‭ ‬مكانه،‭ ‬ويرسل‭ ‬النكات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬قهقهاته‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭! ‬فما‭ ‬القصة؟‭ ‬هل‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬استخفافًا‭ ‬بهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬القاتلة،‭ ‬أو‭ ‬تسخيفًا‭ ‬وتسطيحًا‭ ‬لها؟‭! ‬أم‭ ‬سذاجة‭ ‬في‭ ‬المرء،‭ ‬وقلة‭ ‬نظر،‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬وازع‭ ‬أخلاقي؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬لهذا‭ ‬السلوك‭ ‬المتناقض‭ ‬أسبابًا‭ ‬وجيهة‭ ‬تبرره،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬بدعة،‭ ‬أو‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدا،‭ ‬فكما‭ ‬أشرت؛‭ ‬إن‭ ‬النكتة‭ ‬مُلازمة‭ ‬للمصيبة،‭ ‬تسير‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬نفسه،‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تفارقها،‭ ‬إنني‭ ‬أذهب‭ ‬مع‭ ‬القائلين،‭ ‬خصوصا‭ ‬مَنْ‭ ‬يتدارسون‭ ‬النفسية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النكتة‭ ‬مضاد‭ ‬حيوي‭ ‬طبيعي،‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬الواحد‭ ‬منا؛‭ ‬للتخفيف،‭ ‬أو‭ ‬التنفيس،‭ ‬والتهوين؛‭ ‬لكيلا‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬موجة‭ ‬أحزانه،‭ ‬أو‭ ‬ينغمس‭ ‬في‭ ‬أزماته؛‭ ‬فيُقضى‭ ‬عليه‭.‬

يمر‭ ‬الإنسان‭ ‬بمواقف‭ ‬حياتية‭ ‬متلونة،‭ ‬ويحتاج‭ ‬–‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬إظهار‭ ‬ردود‭ ‬أفعال،‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬تفاعله‭ ‬معها،‭ ‬وكثيرٌ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬يصعب‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬مباشرة؛‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬إحدى‭ ‬المحظورات،‭ ‬أو‭ ‬التابوهات‭ ‬الممنوع‭ ‬الخوض‭ ‬فيها؛‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬أو‭ ‬السياسة،‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭... ‬إلخ‭. ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مواقف‭ ‬لا‭ ‬طاقة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬حلها؛‭ ‬كالكورونا‭ ‬هنا؛‭ ‬فتأتي‭ ‬النكتة؛‭ ‬الباكية‭ ‬الساخرة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬–‭ ‬لتبعث‭ ‬رسائل‭ ‬كثيرة،‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬فكر‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب،‭ ‬وردود‭ ‬أفعالها،‭ ‬ووجهات‭ ‬نظرها‭.‬

ليست‭ ‬النكتة‭ ‬ظاهرة‭ ‬إضحاك‭ ‬وإيناس‭ ‬فقط،‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يظن‭ ‬البعض؛‭ ‬إنها‭ ‬خطاب‭ ‬نقدي،‭ ‬أو‭ ‬انتقادي،‭ ‬تترتب‭ ‬عليه‭ ‬آثار‭ ‬مجتمعية‭ ‬كثيرة،‭ ‬توجِّه‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتغيّر‭ ‬السلوك،‭ ‬والقناعات،‭ ‬وتبدل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المسارات‭... ‬النكتة‭ ‬رقيب‭ ‬اجتماعي،‭ ‬لا‭ ‬قدرة‭ ‬للرقيب‭ ‬الرسمي‭ ‬على‭ ‬ملاحقتها‭ ‬أو‭ ‬مطاردة‭ ‬صانعيها،‭ ‬فغالبًا‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬أصحابها،‭ ‬التي‭ ‬تتخفى‭ ‬وسط‭ ‬الجموع،‭ ‬وهذا‭ ‬مصدر‭ ‬قوتها،‭ ‬وسر‭ ‬ذيوعها‭! ‬كما‭ ‬أن‭ ‬صناعتها‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬–‭ ‬ليست‭ ‬بالمسألة‭ ‬الهيِّنة؛‭ ‬فهي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ذهنية‭ ‬متقدة،‭ ‬العقلاء‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬يدركون‭ ‬أبعادها؛‭ ‬سلبًا،‭ ‬وإيجابًا‭.‬