بين فيروس “كورونا” والسلطان سليمان والإمبراطور قورش

| عبدالنبي الشعلة

ونحن‭ ‬نواجه‭ ‬ونقاوم‭ ‬بضراوة‭ ‬وباء‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المتجدد‭ ‬القاتل،‭ ‬ونضع‭ ‬على‭ ‬أفواهنا‭ ‬وأنوفنا‭ ‬كمامات‭ ‬واقية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أعيننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مفتوحة‭ ‬وبصائرنا‭ ‬متيقظة‭ ‬لما‭ ‬يحاك‭ ‬ضدنا‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬حولنا‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬إقليمية‭ ‬خطيرة؛‭ ‬وبالذات‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬النظام‭ ‬التركي‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬تصعيد‭ ‬للأوضاع‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬مبعوث‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬أكد‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مخاطر‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬تحول‭ ‬الحرب‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يتواصل‭ ‬سقوط‭ ‬الضحايا‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬إدلب‭ ‬بسوريا‭ ‬جراء‭ ‬تبادل‭ ‬القصف‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬التركية‭ ‬وقوات‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬والقوات‭ ‬الروسية‭ ‬المتحالفة‭ ‬معها‭.‬

ويقال،‭ ‬والعهدة‭ ‬على‭ ‬القائل،‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬بالقصر‭ ‬الرئاسي‭ ‬بأنقرة‭ ‬الذي‭ ‬بني‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬والمكون‭ ‬من‭ ‬1150‭ ‬غرفة،‭ ‬عُلقت‭ ‬لوحة‭ ‬كبيرة‭ ‬كتب‭ ‬عليها‭ ‬بالخط‭ ‬العريض‭ ‬المقطع‭ ‬التالي‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬وجهها‭ ‬السلطان‭ ‬سليمان‭ ‬القانوني‭ ‬إلى‭ ‬الملك‭ ‬فرانسيس‭ ‬ملك‭ ‬فرنسا‭: ‬“إنه‭ ‬من‭ ‬سليمان‭ ‬وإنه‭ ‬بسم‭ ‬الله‭ ‬الرحمن‭ ‬الرحيم،‭ ‬أنا‭ ‬سلطان‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬والبحر‭ ‬الأسود‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والأناضول‭ ‬والروملِّي‭ ‬وقرمان‭ ‬الروم‭ ‬وولاية‭ ‬ذي‭ ‬القدرية‭ ‬وديار‭ ‬بكر‭ ‬وكردستان‭ ‬وأذربيجان‭ ‬والعجم‭ ‬والشام‭ ‬ومصر‭ ‬ومكة‭ ‬والمدينة‭ ‬والقدس‭ ‬وجميع‭ ‬ديار‭ ‬العرب‭ ‬والعجم‭ ‬وبلاد‭ ‬المجر‭ ‬والقيصر‭ ‬وبلاد‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬افتتحتها‭ ‬يد‭ ‬جلالتي‭ ‬بسيف‭ ‬الظفر‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬والله‭ ‬أكبر،‭ ‬أنا‭ ‬السلطان‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬السلطان‭ ‬سليم‭ ‬بن‭ ‬السلطان‭ ‬بايزيد”‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التذكير‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السلطان‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الحالم‭ ‬والطامع‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬كرسي‭ ‬الخلافة‭ ‬العثمانية‭ ‬والتربع‭ ‬عليه‭ ‬يدرك،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬أسلافه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬استعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬التحكم‭ ‬بجزيرة‭ ‬العرب‭ ‬السعودية‭ ‬والأماكن‭ ‬الإسلامية‭ ‬المقدسة‭ ‬فيها‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬محال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬وسيبقى‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬أبد‭ ‬الدهر،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬أردوغان‭ ‬ظل‭ ‬يسعى‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هدفه‭ ‬ونجح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬له‭ ‬وتحقيق‭ ‬وجود‭ ‬عسكري‭ ‬لبلاده‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬وحاول‭ ‬قبلها‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬الداخلي‭ ‬للملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬محاصرتها‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬بدعم‭ ‬نظام‭ ‬معاد‭ ‬ومناهض‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وبناء‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬خاصرتها‭ ‬بجزيرة‭ ‬“سواكن”‭ ‬بالسودان،‭ ‬وقاعدة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬خاصرتها‭ ‬الأخرى‭ ‬بدولة‭ ‬قطر‭ ‬الشقيقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬السعوديين‭ ‬تمكنوا‭ ‬ونجحوا‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬وتعزيز‭ ‬دعائم‭ ‬وقواعد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬جماعات‭ ‬وعناصر‭ ‬الفتن‭ ‬والتخريب،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬هب‭ ‬الشعب‭ ‬والجيش‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬2013‭ ‬وأطاح‭ ‬بنظام‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬الإخواني‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬كما‭ ‬هب‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬وأطاح‭ ‬بحكم‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬وألغىيت‭ ‬بذلك‭ ‬اتفاقية‭ ‬القاعدة‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬سواكن،‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬إلا‭ ‬القاعدة‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬التي‭ ‬نرجو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يزيلها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يمن‭ ‬علينا‭ ‬بإصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬بين‭ ‬الأشقاء‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭.‬

إن‭ ‬أطماع‭ ‬ومحاولات‭ ‬العثمانيين‭ ‬القدامى‭ ‬والجدد‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬وأماكن‭ ‬المسلمين‭ ‬المقدسة‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬والمدينة‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬اليوم،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتجلى‭ ‬الآن‭ ‬كاستمرار‭ ‬لحلقات‭ ‬متواصلة‭ ‬ومحاولات‭ ‬سابقة‭ ‬ومستمرة‭ ‬نكتفي‭ ‬لضيق‭ ‬المساحة‭ ‬بالتوقف‭ ‬عند‭ ‬حلقة‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الحديث‭ ‬عندما‭ ‬تمكن‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬السعودية‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1902‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬وضم‭ ‬باقي‭ ‬أجزاء‭ ‬الجزيرة‭ ‬إلى‭ ‬مملكته،‭ ‬وردت‭ ‬له‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أحد‭ ‬قواده‭ ‬المدعو‭ ‬حسن‭ ‬شكري،‭ ‬محذرًا‭ ‬فيها‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ومحاولًا‭ ‬استمالته‭ ‬وإقناعه‭ ‬بأن‭ ‬يعلن‭ ‬ولاءه‭ ‬لها،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الخليفة‭ ‬الأعظم‭ ‬بلَّغه‭ ‬اضطراب‭ ‬الفتنة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬نجد‭ ‬وأنّ‭ ‬يدًا‭ ‬أجنبية‭ ‬مُحرّكة‭ ‬لها،‭ ‬وأنّ‭ ‬السلطان‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬حقن‭ ‬الدماء،‭ ‬ومنع‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬المسلمة،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭: ‬“وقد‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وأطيعوا‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬وأولي‭ ‬الأمر‭ ‬منكم،‭ ‬فمتولي‭ ‬أمركم‭ ‬الذي‭ ‬تجب‭ ‬طاعته‭ ‬بنص‭ ‬الآية‭ ‬الشريفة‭ ‬هو‭ ‬خليفة‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬السلطان‭ ‬عثمان،‭ ‬فأنصحك‭ ‬نصيحة‭ ‬مسلم‭ ‬لمسلم‭ ‬أن‭ ‬تسرع‭ ‬إلى‭ ‬الطاعة،‭ ‬واحذر‭ ‬العصيان،‭ ‬والله‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نقول‭ ‬وكيل”‭.‬

رفض‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬تهديدات‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني‭ ‬وطلبه‭ ‬له‭ ‬بالانضواء‭ ‬تحت‭ ‬نفوذ‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وأجابه‭ ‬برد‭ ‬حازم‭ ‬مفصل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬“‭.... ‬أما‭ ‬الآن،‭ ‬فلا‭ ‬نقبل‭ ‬لكم‭ ‬نصيحة‭ ‬ولا‭ ‬نعترف‭ ‬لكم‭ ‬بالسيادة،‭ ‬والأحسن‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬مكانك‭ ‬الذي‭ ‬أنت‭ ‬فيه‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬سفك‭ ‬الدماء،‭ ‬وإذا‭ ‬تعديت‭ ‬مكانك‭ ‬مقبلًا‭ ‬علينا،‭ ‬فلاشك‭ ‬أننا‭ ‬نعاملك‭ ‬معاملة‭ ‬المعتدي‭ ‬علينا،‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ومن‭ ‬اعتدى‭ ‬عليكم‭ ‬فاعتدوا‭ ‬عليه‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬اعتدى‭ ‬عليكم”،

وختم‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬رسالته‭ ‬بما‭ ‬يلي‭: ‬“وخلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬العمال‭ ‬الذين‭ ‬رأيناهم‭ ‬من‭ ‬الأتراك‭ ‬خائنون‭ ‬منافقون،‭ ‬فلا‭ ‬طاعة‭ ‬لكم‭ ‬علينا،‭ ‬بل‭ ‬نراكم‭ ‬كسائر‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية”‭.‬

وحتى‭ ‬لا‭ ‬يقال‭ ‬إننا‭ ‬حصرنا‭ ‬التهديدات‭ ‬والأطماع‭ ‬العثمانية‭ ‬على‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فقط،‭ ‬أو‭ ‬إننا‭ ‬اخترنا‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التهديدات‭ ‬والأطماع‭ ‬التركية‭ ‬وتجاهلنا‭ ‬أطماع‭ ‬وتهديدات‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الفارسية؛‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬عملاقة‭ ‬أخرى‭ ‬رفعت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬ميادين‭ ‬طهران‭ ‬بمناسبة‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬مكتوب‭ ‬عليها‭ ‬بخط‭ ‬عريض‭ ‬بالفارسية‭: ‬“هذه‭ ‬دولة‭ ‬قورش‭ ‬الإخمينية،‭ ‬من‭ ‬السند‭ ‬وسيحون‭ ‬شرقًا‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭ ‬غربًا،‭ ‬أرضٌ‭ ‬يحفظها‭ ‬العمق‭ ‬الإستراتيجي،‭ ‬إيران‭ ‬الغد‭ ‬امتداد‭ ‬لمبادئ‭ ‬قورش‭ ‬العظيم”‭.‬

وقورش‭ ‬أو‭ ‬كورش‭ ‬العظيم‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬ملوك‭ ‬إمبراطورية‭ ‬فارس‭ ‬الإخمينية‭.‬

وهكذا‭ ‬فنحن‭ ‬العرب‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬متورطين‭ ‬وواقعين‭ ‬بين‭ ‬أطماع‭ ‬الإمبراطوريتين‭ ‬وصرنا‭ ‬ضحايا‭ ‬للصراع‭ ‬التاريخي‭ ‬القائم‭ ‬بينهما،‭ ‬مما‭ ‬عرقلنا‭ ‬ومنعنا‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭.‬

فمنذ‭ ‬أن‭ ‬استقر‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفارسية‭ ‬والتركية‭ ‬بعد‭ ‬فتحمها‭ ‬بسواعد‭ ‬الجنود‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين،‭ ‬والقوتان‭ ‬التركية‭ ‬والفارسية‭ ‬تتسابقان‭ ‬وتتصارعان‭ ‬على‭ ‬بسط‭ ‬سيطرتهما‭ ‬ونفوذهما‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أراضي‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وكل‭ ‬منهما‭ ‬تسعى‭ ‬بمختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬والطرق‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬أو‭ ‬استقطاب‭ ‬“الثقل‭ ‬الإسلامي”‭ ‬إلى‭ ‬أراضيهما‭ ‬واختطافه‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬شرفها‭ ‬الله‭ ‬واختارها‭ ‬لهذا‭ ‬الدور،‭ ‬فبعث‭ ‬فيها‭ ‬نبيه‭ ‬وأنزل‭ ‬رسالته‭ ‬فوق‭ ‬ترابها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منهما‭ ‬تعتقد‭ ‬بأنها‭ ‬أحق‭ ‬من‭ ‬الأخرى‭ ‬لنيل‭ ‬هذا‭ ‬الشرف،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬أحق‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬العرب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أرضًا‭ ‬جرداء‭.‬

وكل‭ ‬واحدة‭ ‬منهما‭ ‬تريد‭ ‬السيطرة‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬إيران‭ ‬تريد‭ ‬إعادة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬قورش‭ ‬العظيم‭ ‬وإعادة‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬المنطقة‭ ‬واستعادة‭ ‬الأمجاد‭ ‬البائدة‭ ‬للأخمينيين‭ ‬والساسانيين،‭ ‬وتركيا‭ ‬تعلن‭ ‬وتريد‭ ‬أيضًا‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬المنطقة‭ ‬بأبعادها‭ ‬العثمانية‭ ‬الهالكة‭ ‬واستنهاض‭ ‬روح‭ ‬السلطان‭ ‬سليمان‭ ‬القانوني،‭ ‬وتركيا‭ ‬بالذات‭ ‬لا‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬الحلم‭ ‬باستعادة‭ ‬أمجادها‭ ‬أو‭ ‬حدودها‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬فقد‭ ‬فشلت‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬

إن‭ ‬الطرفين‭ ‬يتصارعان‭ ‬ويطمعان‭ ‬لأن‭ ‬يختطفا‭ ‬مركز‭ ‬الثقل‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الحجاز،‭ ‬حيث‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬ومسجد‭ ‬ومرقد‭ ‬رسوله‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬متحدين‭ ‬بذلك‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬وإرادة‭ ‬رسوله‭ ‬الأكرم‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬والمدينة؛‭ ‬لتكونا‭ ‬عاصمتي‭ ‬المسلمين‭ ‬الروحية‭ ‬وقبلتهم‭ ‬ومحط‭ ‬أفئدتهم،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬سلاطين‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬الأوائل‭ ‬ولن‭ ‬يتمكن‭ ‬سلاطينها‭ ‬الجدد،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬ورثة‭ ‬عرش‭ ‬قورش‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬مارسه‭ ‬العثمانيون‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬هاتين‭ ‬العاصمتين‭ ‬عندما‭ ‬وقعتا‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتهم‭ ‬وإدارتهم،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مضاهاة‭ ‬إسطنبول‭ ‬في‭ ‬العمران‭ ‬وجمال‭ ‬التخطيط‭.‬

إن‭ ‬الإهمال‭ ‬ومحاولات‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬تمثل‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬السلاطين‭ ‬العثمانيين،‭ ‬وما‭ ‬أكثرهم،‭ ‬زيارة‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬لأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬أو‭ ‬زيارة‭ ‬قبر‭ ‬الرسول‭ ‬اعتقادًا‭ ‬منهم‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعني‭ ‬اعترافًا‭ ‬وترسيخًا‭ ‬لمكانتهما‭.‬

نرجو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يحفظنا‭ ‬من‭ ‬وباء‭ ‬فيروس‭ ‬كرونا‭ ‬المتجدد‭ ‬ومن‭ ‬الأطماع‭ ‬المتجددة‭ ‬للعثمانيين‭ ‬والصفويين‭.‬