ريشة في الهواء

الكورونا اختبار للدول والشعوب

| أحمد جمعة

إذا‭ ‬أردت‭ ‬اختبار‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬شعب،‭ ‬ضعهما‭ ‬بأزمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بوباء‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬أو‭ ‬مجاعة،‭ ‬وانظر‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬السلوك‭ ‬أمام‭ ‬التحدي،‭ ‬سترى‭ ‬الجميع‭ ‬يتصرفون‭ ‬بدهشة‭ ‬وغرابة،‭ ‬بدواع‭ ‬أنانية‭ ‬عاطفية،‭ ‬ستنكشف‭ ‬معادن‭ ‬البشر،‭ ‬وسترى‭ ‬عجائب‭ ‬الأخلاقيات،‭ ‬وغرائب‭ ‬العقليات،‭ ‬ولا‭ ‬أدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطيب‭ ‬الجمعة‭ ‬بحينا‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬بالحرف‭ ‬“إن‭ ‬الكورونا‭ ‬هو‭ ‬جند‭ ‬الله‭ ‬وتعبير‭ ‬عن‭ ‬غضب‭ ‬الله‭ ‬منا،‭ ‬أرسلها‭ ‬لاختبارنا”‭!! ‬الأخ‭ ‬قال‭ ‬ذلك‭ ‬بينما‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬علماء‭ ‬لا‭ ‬ينامون‭ ‬ساعة‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬لقاح‭ ‬للمرض،‭ ‬تخيّل‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يسمعون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطب،‭ ‬تخيّل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬فيهم‭ ‬التحلي‭ ‬بالوعي‭ ‬الطبي‭ ‬والعلمي‭ ‬والالتزام‭ ‬بتعليمات‭ ‬السلامة،‭ ‬يهملون‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬نظرًا‭ ‬لتصديقهم‭ ‬هذا‭ ‬الكلام؟‭ ‬المفارقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬العالمية،‭ ‬أن‭ ‬العلماء‭ ‬يحشدون‭ ‬كفاءاتهم‭ ‬ويكثفون‭ ‬جهودهم‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬لأجل‭ ‬إنقاذ‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬لتجهيل‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬تغييب‭ ‬للعقل‭ ‬والمنطق‭. ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطيب‭ ‬وغيره‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يسوق‭ ‬الأفكار‭ ‬الظلامية‭ ‬والخرافية‭ ‬لا‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المجتمع‭ ‬وازدهار‭ ‬الحياة،‭ ‬إنما‭ ‬يصنع‭ ‬خرافة‭ ‬تقتل‭ ‬الناس،‭ ‬أي‭ ‬جيل‭ ‬سيخرج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجربة؟

هذا‭ ‬هو‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬عالمين،‭ ‬عالم‭ ‬يبتكر‭ ‬اللقاح‭ ‬وعالم‭ ‬يزرع‭ ‬الخرافات،‭ ‬فأمام‭ ‬الخطر‭ ‬تلعب‭ ‬العواطف‭ ‬دورًا‭ ‬مدهشًا‭ ‬برسم‭ ‬خريطة‭ ‬الوعي،‭ ‬وندرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬وتتحكم‭ ‬بالمشاعر،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬أمام‭ ‬انتشار‭ ‬مرض‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬يتصرفون‭ ‬بدوافع‭ ‬عاطفية‭ ‬وخرافية،‭ ‬فالصورة‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬اختبار‭ ‬للجميع‭ ‬وكيف‭ ‬يتصرفون؟‭ ‬ووفق‭ ‬معايير‭ ‬بين‭ ‬الهلع‭ ‬والخوف‭ ‬والمغالاة‭.‬

بلادنا‭ ‬صغيرة‭ ‬بالحجم‭ ‬الجغرافي‭ ‬وطفيفة‭ ‬بالمقياس‭ ‬السكاني،‭ ‬ويمكن‭ ‬حصر‭ ‬الأزمات‭ ‬فيها‭ ‬بسهولة،‭ ‬بعكس‭ ‬دولة‭ ‬كالصين،‭ ‬لكن‭ ‬بالمعيار‭ ‬النسبي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬البحرين‭ ‬عن‭ ‬الصين‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعواطف‭ ‬الناس‭ ‬وعلاقاتهم‭ ‬وإنسانيتهم‭ ‬تجاه‭ ‬الكوارث‭ ‬والأوبئة‭ ‬والحروب،‭ ‬فالناس‭ ‬متساوون‭ ‬في‭ ‬الاختبار‭ ‬أمام‭ ‬الأزمات‭.‬

لو‭ ‬تأملنا‭ ‬حولنا‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بهذا‭ ‬الداء،‭ ‬بين‭ ‬خوف‭ ‬الناس‭ ‬وإجراءات‭ ‬الدولة،‭ ‬هناك‭ ‬مسافة‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬المشاعر‭ ‬والعواطف‭ ‬والخرافات‭ ‬والأحكام‭ ‬والوعي‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬بالمجتمع‭ ‬ويؤدي‭ ‬لصنع‭ ‬حالة‭ ‬محكومة‭ ‬بحجم‭ ‬الأزمة‭ ‬وتداعياتها‭ ‬والسؤال‭: ‬هل‭ ‬فضحت‭ ‬الحالة‭ ‬الكورونية‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬وبعض‭ ‬الشعوب؟‭.‬

 

تنويرة‭:

‬ذروة‭ ‬الجهل‭ ‬تصديقه‭.‬