لماذا علي أن أكتب! (2)

| أميرة صليبيخ

أكتب‭ ‬لأن‭ ‬الكتابة‭ ‬تقيني‭ ‬من‭ ‬النسيان‭ ‬وتعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬مسارات‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬وتمنعها‭ ‬من‭ ‬الاصطدام‭ ‬ببعضها،‭ ‬وتعينني‭ ‬الكتابة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غامض‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة‭ ‬للهضم،‭ ‬فتحتفظ‭ ‬بالجيد‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬وتترك‭ ‬السيئ‭ ‬لتأخذه‭ ‬يد‭ ‬النسيان‭ ‬وتطوح‭ ‬به‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الذكرى،‭ ‬هكذا‭ ‬تفعل‭ ‬بنا‭ ‬الكتابة،‭ ‬تعيد‭ ‬رتق‭ ‬جراحنا‭ ‬وتستر‭ ‬عورة‭ ‬أحزاننا‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬وصفة‭ ‬طبية‭ ‬فعالة‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬سوى‭ ‬الكتّاب‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أكتب‭ ‬فيها‭ ‬أسترجع‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬وهو‭: ‬ردم‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬المسافة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والحلم،‭ ‬فالكتابة‭ ‬تجعل‭ ‬أحلامنا‭ - ‬التي‭ ‬ترافق‭ ‬النجوم‭- ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬أصابعنا‭ ‬وتدور‭ ‬بطواعية‭ ‬حولها،‭ ‬الكلمات‭ ‬هي‭ ‬عصاتنا‭ ‬السحرية‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬واقعنا‭ ‬بالصورة‭ ‬التي‭ ‬نتمناها‭ ‬ومحاولاتنا‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬لجعل‭ ‬العالم‭ ‬أفضل‭ ‬للعيش‭ ‬لنا‭ ‬وللآخرين،‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يجرب‭ ‬الكتابة‭ ‬يوماً‭ ‬لن‭ ‬يدرك‭ ‬حجم‭ ‬النعيم‭ ‬الذي‭ ‬يتسرب‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭.‬

لكن‭ ‬الكتابة‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬بالسهولة‭ ‬التي‭ ‬تنساب‭ ‬بها‭ ‬كلماتنا‭ ‬عند‭ ‬الحديث،‭ ‬الكتابة‭ ‬تتطلب‭ ‬انتظار‭ ‬لحظة‭ ‬الإلهام،‭ ‬أو‭ ‬استدعاءها،‭ ‬فالدخول‭ ‬في‭ ‬“لحظة‭ ‬الكتابة”‭ ‬يتطلب‭ ‬طرقاً‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الورق‭ ‬حتى‭ ‬يُؤذن‭ ‬لك‭ ‬بالدخول‭ ‬لهذا‭ ‬العالم،‭ ‬وحينها‭ ‬ستصاب‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬النشوة‭ ‬التي‭ ‬تفصلك‭ ‬عن‭ ‬واقعك‭ ‬وتدخلك‭ ‬عالماً‭ ‬آخر‭ ‬يشبه‭ ‬السحر،‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬وعيشها‭ ‬دون‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬الاستعداد‭ ‬للمستقبل،‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬الآنية‭ ‬فقط‭ ‬دون‭ ‬وجل‭ ‬أو‭ ‬قلق‭ ‬حتى‭ ‬تتجلى‭ ‬لك‭ ‬الكلمات‭.‬

الكتابة‭ ‬أمر‭ ‬يشبه‭ ‬الصيد،‭ ‬إذ‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تتعلم‭ ‬اقتناص‭ ‬الكلمة‭ ‬المناسبة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬آلاف‭ ‬الكلمات،‭ ‬تنقض‭ ‬عليها‭ ‬وتطرحها‭ ‬على‭ ‬الورقة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تهرب‭ ‬منك،‭ ‬لذلك‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جريئاً‭ ‬وواعياً‭ ‬دائماً،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حاضراً‭ ‬للصيد‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬توشك‭ ‬على‭ ‬النوم‭ ‬وباغتتك‭ ‬طريدتك‭ ‬“الكلمة”‭ ‬وقفزت‭ ‬أمام‭ ‬عقلك‭.‬