وَخْـزَةُ حُب

أهم من الهدف... رحلة الهدف!

| د. زهرة حرم

في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬لكل‭ ‬منا‭ ‬وجهة‭ ‬هو‭ ‬مُوّليها‭! ‬هذه‭ ‬الوجهات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أهدافنا‭ ‬التي‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬بلوغها‭ ‬أو‭ ‬تحقيقها‭! ‬وسواء‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الوجهات‭ ‬أهدافًا‭ ‬قريبة‭ ‬أم‭ ‬بعيدة،‭ ‬فإننا‭ ‬نمر‭ ‬بطرق‭ ‬سهلة‭ ‬أو‭ ‬سريعة،‭ ‬صعبة‭ ‬أو‭ ‬طويلة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬إليها‭. ‬هذه‭ ‬الطرق‭ ‬كم‭ ‬أفرطنا‭ ‬في‭ ‬تضييعها،‭ ‬وحرمنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬جمالياتها،‭ ‬والاحتمالات‭ ‬الموجودة‭ ‬فيها؛‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يكمُن‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬فرص؛‭ ‬فعيوننا‭ ‬وأفئدتنا‭ ‬وعقولنا‭ ‬مُسلطة‭ ‬–‭ ‬جميعها‭ - ‬نحو‭ ‬الوجهة‭ ‬فقط،‭ ‬أما‭ ‬طريقها‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬حيز‭ (‬الغياب‭)‬،‭ ‬غير‭ ‬مهم،‭ ‬ولا‭ ‬نفع‭ ‬منه،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مَسيْس‭ ‬الصلة،‭ ‬بهذه‭ ‬الوجهة‭/ ‬الهدف‭! ‬ولذلك‭ ‬نقضي‭ ‬حياتنا‭ ‬غير‭ ‬مكترثين‭ ‬ولا‭ ‬آبهين‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬حوله،‭ ‬مركزين‭ ‬جهودنا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬مستقيم‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الهدف،‭ ‬وحينها،‭ ‬ننظر‭ ‬إليه،‭ ‬وننتظره،‭ ‬حتى‭ ‬يأذن‭ ‬الله‭ ‬لهدفنا‭ ‬بالتحقق‭ ‬والظهور‭.‬

أن‭ ‬يكون‭ ‬لديك‭ ‬هدف‭ ‬تسعى‭ ‬نحو‭ ‬تحقيقه،‭ ‬هذا‭ ‬مهم،‭ ‬وضروري،‭ ‬لكن‭! ‬أن‭ ‬تعمي‭ ‬عينيك‭ ‬بل‭ ‬بصيرتك‭ ‬عما‭ ‬سواه،‭ ‬بحجة‭ ‬التركيز،‭ ‬والتدقيق،‭ ‬وعدم‭ ‬التشعب‭! ‬هذا‭ ‬فيه‭ ‬خسائر‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬أرباحًا‭! ‬كيف‭!‬؟‭ ‬لنتخيل‭ ‬أن‭ ‬هدفك‭ ‬هو‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬أستراليا‭ ‬مثلا،‭ ‬وأنك‭ ‬أجريت‭ ‬قائمة‭ ‬من‭ ‬الترتيبات،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬حجوزات‭ ‬الطيران‭ ‬والإقامة،‭ ‬وركبت‭ ‬الطائرة‭ ‬لساعات‭ ‬طويلة،‭ ‬حينها،‭ ‬حاولت‭ ‬جهدك‭ ‬أن‭ ‬تُضيع‭ ‬الوقت،‭ ‬لتلهي‭ ‬نفسك‭ ‬عن‭ ‬الانتظار‭ ‬الطويل؛‭ ‬فنمت‭ ‬أو‭ ‬شاهدت‭ ‬فيلما،‭ ‬أو‭ ‬قمت‭ ‬بما‭ ‬قمت‭ ‬به،‭ ‬وقلبك‭ ‬مأخوذ،‭ ‬وعقلك‭ ‬لاهٍ‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬الوصول‭.‬

هل‭ ‬تعلم‭ ‬أنك‭ ‬بذلك‭ ‬أحرقت‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬عمرك،‭ ‬أو‭ ‬استغنيت‭ ‬عنها‭ ‬لصالح‭ ‬عمر‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬بعد‭! ‬هل‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬بِنيّة‭ ‬قتل‭ ‬الوقت؛‭ ‬سرق‭ ‬منك‭ ‬اللذة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فالفيلم،‭ ‬والكتاب،‭ ‬وأي‭ ‬نشاط‭ ‬آخر،‭ ‬لا‭ ‬متعة‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬ساعات‭ ‬وجودك‭ ‬على‭ ‬المقعد،‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬تملأ‭ ‬به‭ ‬مساحة‭ ‬انتظارك‭! ‬فمتى‭ ‬نتعلم‭ ‬أن‭ ‬نهتم‭ ‬بالطريق‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬نهتم‭ ‬بالوجهة‭! ‬الطريق‭ ‬يعادل‭ ‬اللحظة‭ ‬الآنية‭ ‬الحاضرة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها،‭ ‬والمعروفة‭ ‬لنا،‭ ‬والواضحة‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا،‭ ‬أما‭ ‬الوجهة؛‭ ‬فتعادل‭ ‬المستقبل،‭ ‬قد‭ ‬تصدمنا‭ ‬حين‭ ‬نبلغها،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ما‭ ‬نرغب‭ ‬فيه‭ ‬فعلا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬ظنناه‭ ‬لامعًا‭.‬

في‭ ‬الطريق‭ ‬لأهدافنا‭ ‬متع‭ ‬وفوائد‭ ‬كثيرة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬وقفات‭ ‬ومحطات،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نقف‭ ‬عندها‭ ‬قليلا؛‭ ‬لنتأملها،‭ ‬أو‭ ‬نتعلم‭ ‬منها‭! ‬ليس‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬للهدف،‭ ‬بل‭ ‬رحلة‭ ‬الهدف‭ ‬هي‭ ‬الأهم‭: ‬كيف‭ ‬عبرتها؟‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬محاولاتك؟‭ ‬عثراتك؟‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬وقوفك؟‭ ‬والإنجازات‭ ‬المرحلية‭ ‬التي‭ ‬تحققت؟‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬مساعدات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وخبراتهم؟‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬وردود‭ ‬أفعالهم‭ ‬نحوك،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الأهم؛‭ ‬فليست‭ ‬الوجهة‭/ ‬الهدف‭ ‬سوى‭ ‬نتيجة‭ ‬ختامية‭ ‬أو‭ ‬نهائية‭ ‬لسير‭ ‬الرحلة،‭ ‬وتحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬لها‭. ‬فأحسن‭ ‬استثمار‭ ‬الطريق‭.‬