ريشة في الهواء

أباريز من واقع الحياة

| أحمد جمعة

لا‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقك‭ ‬ولا‭ ‬تتخل‭ ‬عن‭ ‬رأيك‭ ‬ولا‭ ‬تفقد‭ ‬حريتك،‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يتسع‭ ‬لك‭ ‬مهما‭ ‬ضيق‭ ‬الآخرون‭ ‬من‭ ‬حولك،‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬ليست‭ ‬دائمًا‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬مدفوعة‭ ‬بضغط‭ ‬الرياح،‭ ‬تقرأ‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يكتب‭ ‬وتسمع‭ ‬العديد‭ ‬مما‭ ‬يذاع‭ ‬وتشاهد‭ ‬الغزير‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬السطور‭ ‬وخلف‭ ‬الكلمات‭ ‬ووراء‭ ‬الحوادث،‭ ‬لأن‭ ‬الظاهر‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تنتبه‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬كيف‭ ‬يسير؟‭ ‬فالصورة‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬بالمونتاج‭ ‬فتلمع‭! ‬بغير‭ ‬الصورة‭ ‬الأصلية،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬قرأتُ‭ ‬الخبر‭ ‬الواحد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قراءة،‭ ‬وحتى‭ ‬الصورة‭ ‬تنشر‭ ‬أحيانًا‭ ‬مقتطعة‭ ‬من‭ ‬سياقها،‭ ‬مع‭ ‬إضافات‭ ‬في‭ ‬اللون‭ ‬والظلال‭ ‬والضوء،‭ ‬فتختلف‭ ‬عن‭ ‬الصورة‭ ‬الأصلية،‭ ‬مشكلتنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الملوثة‭ ‬بالتلفيق‭ ‬والأكاذيب،‭ ‬أننا‭ ‬ويا‭ ‬للمفارقة،‭ ‬نزور‭ ‬ونصدق‭ ‬تزويرنا،‭ ‬ونكذب‭ ‬ونصدق‭ ‬كذبتنا،‭ ‬نهرج‭ ‬ونصدق‭ ‬تهريجنا،‭ ‬خلقنا‭ ‬الوهم‭ ‬حولنا‭ ‬وغطسنا‭ ‬في‭ ‬السراب،‭ ‬وصدقنا‭ ‬أنهُ‭ ‬شهرة‭ ‬ونجاح‭ ‬وتقدم،‭ ‬ولو‭ ‬أزلنا‭ ‬القشرة‭ ‬لاكتشفنا‭ ‬حجم‭ ‬الفقاعة‭ ‬التي‭ ‬تحتوينا‭!‬

المتأمل‭ ‬للحياة‭ ‬العامة،‭ ‬ثقافة،‭ ‬سياسة،‭ ‬رياضة،‭ ‬تديّن،‭ ‬لو‭ ‬تسللت‭ ‬وراء‭ ‬القشرة‭ ‬الخارجية،‭ ‬ونبشت‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭ ‬والدهاليز،‭ ‬وفتشت‭ ‬عن‭ ‬جوهر‭ ‬حقيقة‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجالات،‭ ‬ستكتشف‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬20‭ % ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬الجوهر‭ ‬الحقيقي‭ ‬للأشياء،‭ ‬وما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬يشبه‭ ‬حلويات‭ ‬“الملّبس”‭ ‬الذي‭ ‬بداخله‭ ‬السكر،‭ ‬وهو‭ ‬سمٌ‭ ‬قاتل‭ ‬وخارجهُ‭ ‬الألوان‭ ‬البراقة،‭ ‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يتبدلون‭ ‬من‭ ‬خانة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ومن‭ ‬قالب‭ ‬لآخر،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يتوانون‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬أفكارهم‭ ‬وقناعاتهم‭ ‬وولاءاتهم‭ ‬مثلما‭ ‬يغير‭ ‬البحارة‭ ‬أشرعتهم‭ ‬مع‭ ‬تغيّر‭ ‬الرياح،‭ ‬لذلك،‭ ‬ولتكون‭ ‬مرتاحًا‭ ‬في‭ ‬داخلك‭ ‬وصحيًا‭ ‬في‭ ‬عقلك‭ ‬لا‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬رأيك‭ ‬ولا‭ ‬تتخل‭ ‬أفكارك‭ ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬الصحيحة‭ ‬من‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ولو‭ ‬شككت‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬فتدبر‭ ‬أمرك‭ ‬وابحث‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬روحك‭ ‬الصافية‭ ‬والخالية‭ ‬من‭ ‬الشوائب‭ ‬وستدلك‭ ‬على‭ ‬الحق،‭ ‬فالحق‭ ‬مهما‭ ‬اختفى‭ ‬وراء‭ ‬الضوضاء‭ ‬لكن‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تنفض‭ ‬عنهُ‭ ‬الغبار‭ ‬فسوف‭ ‬ينبعث‭ ‬مثل‭ ‬قرنفلة‭ ‬التبريزي،‭ ‬وهاجة‭. ‬ابحث‭ ‬وفتش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقدم‭ ‬من‭ ‬فن‭ ‬وثقافة‭ ‬ورياضة‭ ‬وسياسة‭ ‬وتحليلات‭! ‬واستكشف‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬بداخل‭ ‬القشرة‭ ‬وخارجها،‭ ‬ستجد‭ ‬النفيس‭ ‬والسفساف،‭ ‬لأن‭ ‬غالبية‭ ‬من‭ ‬يتابعون‭ ‬ويقرأون‭ ‬ويشاهدون‭ ‬ويسمعون‭ ‬لا‭ ‬يهمهم‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬القشرة‭ ‬وخارجها،‭ ‬كن‭ ‬كالشمس‭ ‬لا‭ ‬تحجبها‭ ‬الغيوم‭ ‬بل‭ ‬تجملها‭.‬

 

تنويرة‭:

‬كل‭ ‬رواية‭ ‬سلعة،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬متقنة‭ ‬ونفيسة،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬مبتذلة‭ ‬وزهيدة،‭ ‬والراوي،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خالقا‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬مُقلّدا‭.‬