دور المتقاعدين في التنمية الوطنية

| عبدعلي الغسرة

التقاعد‭ ‬هو‭ ‬ترك‭ ‬العمل‭ ‬اختياريًا‭ ‬أو‭ ‬قانونيًا‭ (‬عند‭ ‬بلوغ‭ ‬الموظف‭/ ‬العامل‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وحضارية‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وينال‭ ‬المتقاعدون‭ ‬حقوقًا‭ ‬مالية‭ ‬وفقًا‭ ‬للسن‭ ‬والراتب‭ ‬ومدة‭ ‬الخدمة،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬ينتهي‭ ‬دور‭ ‬من‭ ‬تقاعد‭ ‬ويبقى‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬مجتمعه؟

الكثير‭ ‬من‭ ‬المتقاعدين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بقدرة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬والبذل‭ ‬والاستعداد‭ ‬للعمل‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬أكمل‭ ‬الستين‭ ‬عامًا،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تستعين‭ ‬بخبراتهم،‭ ‬والذي‭ ‬يُحدد‭ ‬موعد‭ ‬التقاعد‭ ‬ليس‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬السِن‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬المرء‭ ‬يعمل‭ ‬حتى‭ ‬يتوقف‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه،‭ ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬السِن‭ ‬فإن‭ ‬إنتاجيته‭ ‬تتناقص‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬تجعل‭ ‬عطاءه‭ ‬يزداد‭ ‬بقدر‭ ‬رغبته‭ ‬وتمسكه‭ ‬بالعمل‭.‬

وتذكر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬التقاعد‭ ‬بداية‭ ‬لحياة‭ ‬جديدة‭ ‬للمتقاعدين‭ ‬وفرصة‭ ‬جيدة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الذات‭ ‬وترتيب‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬المتقاعد‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬ومهارات‭ ‬للاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬وتمثل‭ ‬فرصة‭ ‬للدولة‭ ‬لتوظيف‭ ‬أفراد‭ ‬جُدد‭ ‬وضخ‭ ‬دماء‭ ‬شبابية‭ ‬ليضيفوا‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬لتحسين‭ ‬مسار‭ ‬العمل،‭ ‬وتناقش‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬موضوع‭ ‬التقاعد‭ ‬بمهنية‭ ‬كبيرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬زاد‭ ‬عددهم،‭ ‬وأصبح‭ ‬التقاعد‭ ‬مادة‭ ‬تُدرس‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬وتسعى‭ ‬جاهدة‭ ‬لدمج‭ ‬التقاعد‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬المتقاعدين‭ ‬وكفاءاتهم‭ ‬كخبراء‭ ‬واستشاريين‭. ‬

إن‭ ‬ترك‭ ‬العمل‭ ‬بعد‭ ‬التقاعد‭ ‬يؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬بعض‭ ‬المتقاعدين،‭ ‬والعمل‭ ‬يضفي‭ ‬عليهم‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فالعمل‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬البدنية‭ ‬والذهنية‭ ‬فهو‭ ‬يحتاج‭ ‬للكفاءة‭ ‬والخبرة‭ ‬حيث‭ ‬يمتلك‭ ‬المتقاعدون‭ ‬الخبرات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات‭. ‬إن‭ ‬المتقاعدين‭ ‬ثروة‭ ‬قومية‭ ‬كبيرة،‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بأبنائها‭ ‬تهتم‭ ‬بالمتقاعدين،‭ ‬وتعمل‭ ‬بصورة‭ ‬دائمة‭ ‬على‭ ‬إضافتهم‭ ‬إلى‭ ‬المعادلة‭ ‬التنموية‭ ‬الشاملة،‭ ‬وذلك‭ ‬إيمانًا‭ ‬منها‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬طاقة،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تختزن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والطاقات‭ ‬والنضج‭ ‬النفسي‭ ‬والعملي‭.‬

إن‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العُمر‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عائقًا‭ ‬أمام‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف،‭ ‬فالقيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لعُمر‭ ‬الإنسان‭ ‬هي‭ ‬معرفة‭ ‬كيفية‭ ‬استثماره‭ ‬والاستفادة‭ ‬منه،‭ ‬فالتقاعد‭ ‬أداة‭ ‬استثمارية‭ ‬وعلى‭ ‬الدولة‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭. ‬إن‭ ‬المتقاعدين‭ ‬طاقة‭ ‬مُبدعة‭ ‬تنتظر‭ ‬الفرصة‭ ‬لإشراكها‭ ‬في‭ ‬التنمية‭.‬