ستة على ستة

اعتداء “هاناو” وأشكال أخطر من الإرهاب

| عطا السيد الشعراوي

بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬تقع‭ ‬حوادث‭ ‬عنف‭ ‬خطيرة‭ ‬تقتلع‭ ‬معها‭ ‬حواجز‭ ‬حديدية‭ ‬من‭ ‬التستر‭ ‬والتكتم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرسمية‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬لتظل‭ ‬صورة‭ ‬الإرهاب‭ ‬لصيقة‭ ‬بالإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬دون‭ ‬إضافة‭ ‬معادلات‭ ‬أو‭ ‬أفكار‭ ‬أخرى‭ ‬تعكر‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬لتكشف‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬إرهاب‭ ‬الفكر‭ ‬وليس‭ ‬العقيدة‭.‬

فقد‭ ‬شهدت‭ ‬مدينة‭ ‬هاناو‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬هجومًا‭ ‬دنيئًا‭ ‬نفذه‭ ‬يميني‭ ‬متطرف،‭ ‬وأوقع‭ ‬11‭ ‬قتيلاً،‭ ‬وعددا‭ ‬من‭ ‬الجرحى،‭ ‬ليجبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمحللين‭ ‬على‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬التطرف‭ ‬اليميني‭ ‬هو‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬لأن‭ ‬إرهابهم‭ ‬يتعدى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والقتل‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬القيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية،‭ ‬فهم‭ ‬ممثلون‭ ‬في‭ ‬البرلمانات‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مواجهات‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬عدة‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬التصدي‭ ‬لجرائم‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

الخطير‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬لم‭ ‬يستهدف‭ ‬مسجدًا‭ ‬لكي‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬أديان،‭ ‬إنما‭ ‬استهدف‭ ‬مقهيين‭ ‬لتدخين‭ ‬النارجيلة‭ ‬“الشيشة”‭ ‬معظم‭ ‬مرتاديهما‭ ‬من‭ ‬المهاجرين،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الحادث‭ ‬كان‭ ‬عنصريًا‭ ‬وأن‭ ‬أجواء‭ ‬الكراهية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بعض‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬وأحيانا‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرسمية‭ ‬على‭ ‬بثها‭ - ‬بقصد‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬قصد‭ - ‬باتت‭ ‬تنتفخ‭ ‬وتنتشر‭ ‬وتلقي‭ ‬تداعياتها‭ ‬لتضرب‭ ‬أوصال‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭.‬

المحزن‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ينتاب‭ ‬بعض‭ ‬محللينا‭ ‬وخبرائنا‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬ثورة‭ ‬وهيجان‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تورط‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬مسلم‭ ‬بعمل‭ ‬إرهابي‭ ‬مماثل‭ ‬لما‭ ‬شهدته‭ ‬هاناو‭ ‬مؤخرا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أقل‭ ‬خطورة‭ ‬منه،‭ ‬وتظهر‭ ‬دعاوى‭ ‬ضرورة‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬وتنقيح‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬الأئمة‭ ‬والخطباء‭ ‬بما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬معطيات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬العصر،‭ ‬ويمارسون‭ ‬إرهابًا‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬المزعوم‭ ‬والمقصود‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والإرهاب،‭ ‬بينما‭ ‬يصمتون‭ ‬إزاء‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬ينفذها‭ ‬آخرون‭ ‬لا‭ ‬ينتمون‭ ‬للإسلام،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬نجدهم‭ ‬متعاطفين‭ ‬مع‭ ‬المتطرفين‭ ‬بحجة‭ ‬أنهم‭ ‬مرضى‭ ‬نفسيون‭ ‬بحاجة‭ ‬للعلاج‭ ‬وليس‭ ‬الاستئصال‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭.‬