لماذا علي أن أكتب! (1)

| أميرة صليبيخ

لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬وأنا‭ ‬مجبرة‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬لأن‭ ‬الكتابة‭ ‬فعل‭ ‬حب‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬فلا‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬ترغمك‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬أمام‭ ‬الورق‭ ‬فقط‭ ‬لأنك‭ ‬أُمرت‭ ‬بالكتابة،‭ ‬فوضعية‭ ‬الجبر‭ ‬هذه‭ ‬تفسد‭ ‬الكلمات‭ ‬وتشوهها‭. ‬أحذر‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬على‭ ‬عجالة،‭ ‬كمن‭ ‬يطهو‭ ‬ليسد‭ ‬جوعه‭ ‬فقط‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بالوجبة،‭ ‬القارئ‭ ‬الذكي‭ ‬سيستشعر‭ ‬ذلك‭ ‬وستفوح‭ ‬من‭ ‬أوراقك‭ ‬رائحة‭ ‬اللامبالاة‭ ‬سريعاً،‭ ‬اكتب‭ ‬بتمهل‭ ‬وعمق،‭ ‬فما‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الأعماق‭ ‬وحده‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬ملامسة‭ ‬الأعماق‭.‬

عندما‭ ‬أجلس‭ ‬للكتابة‭ ‬أشعر‭ ‬وكأنني‭ ‬في‭ ‬موعد‭ ‬غرامي‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬البياض‭ ‬الممتد‭ ‬أمام‭ ‬ناظري،‭ ‬أبتعد‭ ‬عن‭ ‬الرسميات‭ ‬العقيمة‭ ‬وأرخي‭ ‬العنان‭ ‬لنفسي‭ ‬للغرق‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬محاولة‭ ‬التشبث‭ ‬بالأفكار‭ ‬المسبقة،‭ ‬والتجديف‭ ‬ضد‭ ‬رغبة‭ ‬القلم،‭ ‬هكذا‭ ‬تحدث‭ ‬الكتابة‭.. ‬بحب‭ ‬وبساطة‭ ‬وتلقائية‭.‬

لا‭ ‬تكتب‭ ‬مرغماً‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الورق‭ ‬سترعبه‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتصاب‭ ‬هذه‭ ‬ولن‭ ‬يُظهر‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬عندك،‭ ‬اذهب‭ ‬للورقة‭ ‬برغبة‭ ‬المشتاق‭ ‬حتى‭ ‬تؤتي‭ ‬الكلمات‭ ‬أكلها‭ ‬كما‭ ‬يراد‭ ‬لها،‭ ‬لا‭ ‬تراود‭ ‬الورقة‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬لا‭ ‬تهجم‭ ‬بعنف،‭ ‬ولا‭ ‬تتردد‭ ‬بخجل،‭ ‬أقبل‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬وأنت‭ ‬تحمل‭ ‬النية‭ ‬الصادقة‭ ‬للكتابة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نفسك‭ ‬قبل‭ ‬الآخرين،‭ ‬لا‭ ‬تكتب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أحد،‭ ‬لا‭ ‬تربك‭ ‬القلم‭ ‬بهذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬الثقيلة،‭ ‬عش‭ ‬متحرراً‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬الآخرين‭ ‬وما‭ ‬يريدونه‭ ‬منك‭ ‬وتذكر‭: ‬الآخرون‭ ‬هم‭ ‬الجحيم‭! ‬فلا‭ ‬ترهق‭ ‬نفسك‭ ‬بالتركيز‭ ‬عليهم‭.‬

بالنسبة‭ ‬لي‭... ‬أنا‭ ‬أكتب‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬عليّ‭ ‬فعله‭ ‬بطوابير‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬حنجرتي‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬ويكاد‭ ‬يأكلها‭ ‬الصدأ،‭ ‬وأيضاً‭ ‬لأن‭ ‬الكلمات‭ ‬البائتة‭ ‬يزعجها‭ ‬البقاء‭ ‬مطولاً‭ ‬في‭ ‬الظلام،‭ ‬فتتدافع‭ ‬للخروج‭ ‬لرؤية‭ ‬النور،‭ ‬الكلمة‭ ‬مثلنا‭ ‬نحن‭ ‬البشر،‭ ‬تتوق‭ ‬لعين‭ ‬تقرأها‭ ‬وتربت‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الموجوع،‭ ‬وتهدهد‭ ‬جرحها‭. ‬أكتب‭ ‬لأن‭ ‬الكتابة‭ ‬وجبة‭ ‬جيدة‭ ‬لصحة‭ ‬العقل‭.‬