ومضة قلم

إنه زمن التفاهة

| محمد المحفوظ

في‭ ‬أربعينات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭ ‬جسد‭ ‬شارلي‭ ‬شابلن‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الذائع‭ ‬والساخر‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬“الأزمنة‭ ‬الحديثة”‭ ‬دور‭ ‬العامل‭ ‬بنمطية‭ ‬بمعنى‭ ‬وظيفة‭ ‬للاسترزاق‭ ‬وسبب‭ ‬للبقاء‭ ‬ليس‭ ‬أكثر،‭ ‬ما‭ ‬أوقعه‭ ‬في‭ ‬مقالب‭ ‬مضحكة‭ ‬ومحزنة‭.. ‬وهو‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬عالجه‭ ‬كتاب‭ ‬صدر‭ ‬حديثا‭ ‬بعنوان‭ ‬“نظام‭ ‬التفاهة”،‭ ‬والمجال‭ ‬الذي‭ ‬يبحثه‭ ‬المؤلف‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬سيطرة‭ ‬التافهين‭ ‬على‭ ‬المواقع‭.‬

طبعا‭ ‬ليست‭ ‬المسألة‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬مجال‭ ‬دون‭ ‬آخر،‭ ‬فكما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فإنها‭ ‬بالقدر‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬الأخرى‭ ‬وخصوصا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ولكي‭ ‬تكون‭ ‬ناجحا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬–‭ ‬طبقا‭ ‬للكاتب‭ - ‬فإنك‭ ‬لست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬ولا‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬المعقدة،‭ ‬فقط‭ ‬عليك‭ ‬وباختصار‭ ‬شديد‭ ‬أن‭ ‬“تجيد‭ ‬اللعبة”‭.‬

أمّا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالنامي‭ ‬يتجسد‭ ‬مفهوم‭ ‬التفاهة‭ ‬بصورة‭ ‬أشد‭ ‬مرارة،‭ ‬يروي‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬قصة‭ ‬تفيض‭ ‬بالألم‭ ‬والمرارة‭ ‬قائلاً‭: ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عودتي‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬صادفني‭ ‬على‭ ‬الطائرة‭ ‬أحد‭ ‬المغنين‭ ‬المشهورين‭ ‬وبدافع‭ ‬الفضول‭ ‬قررت‭ ‬مراقبة‭ ‬الموقف‭ ‬لأرى‭ ‬كيف‭ ‬يقابله‭ ‬الركاب،‭ ‬وأدهشني‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬ركاب‭ ‬الطائرة‭ ‬أقبلوا‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬الصور‭ ‬الخاصة‭ ‬وحتى‭ ‬طاقم‭ ‬الطائرة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬الرجل‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬لأحد‭ ‬لا‭.. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬نزلنا‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬وكأن‭ ‬الزعيم‭ ‬عبدالناصر‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬فقد‭ ‬تجمع‭ ‬الناس‭ ‬وترك‭ ‬موظفوا‭ ‬المطار‭ ‬أشغالهم‭ ‬لكي‭ ‬يصافحوه،‭ ‬والمدهش‭ ‬هو‭ ‬ختم‭ ‬جوازه‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬قبله‭ ‬بل‭ ‬أحضروا‭ ‬حقائبه‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬الركاب‭ ‬وخرج‭ ‬الفنان‭ ‬دون‭ ‬تفتيش،‭ ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬دوري‭ ‬–‭ ‬أستاذ‭ ‬الجامعة‭ ‬–‭ ‬بادروا‭ ‬بالأسئلة‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتيت؟‭ ‬وكم‭ ‬يوما‭ ‬أقمت؟‭ ‬وماذا‭ ‬كنت‭ ‬تفعل؟‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬أستاذ‭ ‬الجامعة‭ ‬مفرا‭ ‬من‭ ‬السؤال‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يعامل‭ ‬الفنان‭ ‬كالآخرين؟‭ ‬جاءت‭ ‬الإجابة‭ ‬المقنعة‭ ‬بأنه‭ ‬فنان‭ ‬ويتمتع‭ ‬بجماهيرية‭ ‬كاسحة‭ ‬وليس‭ ‬فردا‭ ‬مغمورا‭!‬

‭ ‬وإزاء‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬الصارخة‭ ‬فإنّ‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يقع‭ ‬اللوم؟‭ ‬هل‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬كابد‭ ‬وشقي‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬شبابه‭ ‬واستمع‭ ‬لنصيحة‭ ‬والده‭ ‬بدخوله‭ ‬المعترك‭ ‬الجامعي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬لكي‭ ‬يتعين‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أستاذا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الكليات؟‭ ‬هل‭ ‬يعض‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬ندما‭ ‬كونه‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬مغنيا‭ ‬أو‭ ‬لاعب‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬مشهورا؟‭.‬