مواقف إدارية

للخلف دُر..

| أحمد البحر

من‭ ‬المواقف‭ ‬الطريفة‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬مغادرة‭ ‬ذاكرتي‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬الطويل‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬أعرضه‭ ‬أمامك،‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ،‭ ‬وهو‭ ‬مشهد‭ ‬طريف‭ ‬كما‭ ‬أسلفت‭ ‬ولكنه‭ - ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ - ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬فقد‭ ‬عشت‭ ‬فصوله‭ ‬وشاهدت‭ ‬نهايته‭ ‬المتوقعة‭. ‬هكذا‭ ‬بدأ‭ ‬محدّثي‭ ‬روايته‭ ‬للموقف‭ ‬ثم‭ ‬تابع‭:‬

كنت‭ ‬أراقب‭ ‬وبشغف‭ ‬سلوكيات‭ ‬أحد‭ ‬“المسؤولين”‭ ‬الغريبة،‭ ‬والتي‭ ‬أظنّها‭ ‬كانت‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬المسرحية‭ ‬الكوميدية‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬وقبل‭ ‬بدء‭ ‬وقت‭ ‬الدوام‭ ‬بدقائق‭ ‬ويتوجّه‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬جهاز‭ ‬البصمة‭ ‬ليثبت‭ ‬حضوره‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬مسرعًا‭ ‬إلى‭ ‬سيارته‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يوقفها‭ ‬مقابل‭ ‬المدخل‭ ‬الرئيس‭ ‬للمؤسسة‭ ‬ثم‭ ‬يختفي‭ ‬ليعود‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الدوام‭ ‬بساعتين‭ ‬على‭ ‬الأكثر‭ ‬ويدخل‭ ‬مقر‭ ‬العمل‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬طبعًا‭ ‬بجهاز‭ ‬البصمة‭.‬

الأكثر‭ ‬طرافة‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محدّثي،‭ ‬هو‭ ‬حرص‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشغل‭ ‬وظيفة‭ ‬رئيس‭ ‬وحدة‭ ‬على‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المغادرين‭ ‬عند‭ ‬نهاية‭ ‬الدوام‭. ‬ويتابع‭ ‬محدّثي‭ ‬قائلاً‭: ‬كنت‭ ‬أتسلّى‭ ‬بهذا‭ ‬المشهد‭ ‬الطريف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتكرّر‭ ‬أمامي‭ ‬كثيرًا‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يفوتني‭.‬

بعد‭ ‬فترة‭ ‬قرّرت‭ ‬المؤسسة‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬لتتماشى‭ ‬مع‭ ‬المتغيّرات‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬العمل‭ ‬المحلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬تلك‭ ‬الوحدة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرأسها‭ ‬ذاك‭ ‬المسؤول‭ ‬إدارة‭ ‬كبيرة‭ ‬تتمتّع‭ ‬بكيان‭ ‬مستقل‭ ‬لها‭ ‬ميزانيتها‭ ‬الخاصة‭ ‬ومجلس‭ ‬إدارة‭ ‬وتقرّر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬يديرها‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬تنفيذي‭. ‬وتابع‭ ‬محدثي‭:‬

عاش‭ ‬صاحبنا‭ ‬فترة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬القرار‭ ‬بتعيينه‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬المنصب‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ ‬الأكفأ‭ ‬والأجدر‭ ‬بالمنصب‭ ‬وأنها‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬حتى‭ ‬يصدر‭ ‬ذلك‭ ‬القرار؛‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬إلغاء‭ ‬وظيفته‭ ‬الحالية‭ ‬نتيجة‭ ‬لإنشاء‭ ‬تلك‭ ‬الإدارة‭. ‬مرّ‭ ‬أمامه‭ ‬شريط‭ ‬انضباطه‭ ‬وسلوكه‭ (‬للخلف‭ ‬دُر‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬ابصم‭ ‬وعد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتيت،‭ ‬ولكنه‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬الإدارة‭ ‬العليا‭. ‬لم‭ ‬يطل‭ ‬الانتظار‭ ‬فقد‭ ‬تسلّم‭ ‬إخطارًا‭... ‬يقول‭ ‬نوفاليس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭: ‬’’يستطيع‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬نوابغ‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬كسالى‘‘‭. ‬

‭ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ؟