تحية للكويت في ذكرى تحريرها.. وشكرًا للملك فهد بن عبدالعزيز

| عبدالنبي الشعلة

في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬تحتفل‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشقيقة‭ ‬شعبًا‭ ‬وقيادة،‭ ‬ونحتفل‭ ‬نحن‭ ‬الخليجيين‭ ‬معها‭ ‬أيضًا‭ ‬بكل‭ ‬قلوبنا‭ ‬وجوارحنا،‭ ‬بعيدها‭ ‬الوطني‭ ‬وبذكرى‭ ‬يوم‭ ‬تحرير‭ ‬أراضيها‭ ‬وتطهيرها‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬العراقي‭ ‬الغاشم‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬لخمسة‭ ‬أشهر‭ ‬عجاف‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬نسترسل‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬واقعة‭ ‬سمعتها‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬موثوق،‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬الكويت‭ ‬وإحكام‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬لقبضته‭ ‬واحتلاله‭ ‬لكل‭ ‬الأراضي‭ ‬الكويتية،‭ ‬طلب‭ ‬أحد‭ ‬سفراء‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أن‭ ‬يزور‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬ليسلم‭ ‬إلى‭ ‬قادتها‭ ‬رسالة‭ ‬شفوية‭ ‬هامة‭ ‬وعاجلة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬التي‭ ‬وصلته‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أخيه‭ ‬غير‭ ‬الشقيق‭ ‬برزان‭ ‬التكريتي‭ ‬مندوب‭ ‬العراق‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بجنيف،‭ ‬ولما‭ ‬وصل‭ ‬السفير‭ ‬ابلغ‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فحواها‭ ‬أن‭ ‬للبحرين‭ ‬وضعا‭ ‬خاصا‭ ‬ومكانة‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الرئيس‭ ‬صدام،‭ ‬وأنه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬طمأنة‭ ‬قادتها‭ ‬بأن‭ ‬السطوة‭ ‬العراقية‭ ‬لن‭ ‬تطالها‭ ‬ولن‭ ‬يصيب‭ ‬البحرين‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬أو‭ ‬مكروه،‭ ‬وإنه‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬استمرار‭ ‬استقلالها‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها،‭ ‬فكان‭ ‬جواب‭ ‬قيادة‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬وسلامتها‭ ‬وسيادتها‭ ‬تسبق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬سلامة‭ ‬البحرين‭ ‬وسيادتها،‭ ‬وأُمِرَ‭ ‬السفير‭ ‬بعدم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬عمله‭.‬

نعود‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬فنقول‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬المشابهة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تثير‭ ‬الأشجان‭ ‬والأتربة‭ ‬والذكريات‭ ‬الأليمة،‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬تقرع‭ ‬نواقيس‭ ‬الذاكرة‭ ‬الحزينة‭ ‬وتعيد‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬الصور‭ ‬المرعبة‭ ‬لشعب‭ ‬أبي‭ ‬آمن‭ ‬مسالم‭ ‬تعرض‭ ‬لاعتداء‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬أعز‭ ‬وأقدس‭ ‬مقدراته‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننفض‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬الذاكرة‭ ‬لتستعيد‭ ‬الذكريات‭ ‬الموجعة؛‭ ‬ذكريات‭ ‬السطو‭ ‬والغدر‭ ‬والمباغتة‭ ‬والتآمر‭ ‬ونكران‭ ‬الجميل،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نجري‭ ‬باستمرار‭ ‬مراجعة‭ ‬دورية‭ ‬لفواتير‭ ‬الأرباح‭ ‬والخسائر،‭ ‬كما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الشقيق‭ ‬والجار‭ ‬الجاحد‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يغدر‭ ‬بك‭ ‬ويعتدي‭ ‬عليك،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأشقاء‭ ‬من‭ ‬تنكر‭ ‬للحق‭ ‬والإنصاف،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬تخاذل‭ ‬وتلكأ‭ ‬ورفض‭ ‬أن‭ ‬يستنكر‭ ‬ويشجب‭ ‬العدوان،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬ساند‭ ‬العدوان‭ ‬ووقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المعتدي‭ ‬والمحتل‭ ‬طمعًا‭ ‬في‭ ‬تقاسم‭ ‬الغنيمة‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬بالذات‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬كارثة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فإن‭ ‬أحاسيس‭ ‬البهجة‭ ‬والغبطة‭ ‬والفرحة‭ ‬بالتحرير‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تمتزج‭ ‬بمرارة‭ ‬الوجع‭ ‬وبذكريات‭ ‬وكوابيس‭ ‬أيام‭ ‬الاحتلال‭ ‬المزرية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اجتاحت‭ ‬بغتة‭ ‬وعلى‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬أراضي‭ ‬الكويت‭ ‬الغالية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الكويتيون‭ ‬واثقين‭ ‬من‭ ‬جارهم‭ ‬ونائمين‭ ‬في‭ ‬أسرتهم،‭ ‬فاستبيحت‭ ‬سيادة‭ ‬وطنهم‭ ‬وانتهكت‭ ‬كرامتهم؛‭ ‬واستقر‭ ‬خنجر‭ ‬مسموم‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭ ‬وقلوبنا‭ ‬تاركًا‭ ‬أثرًا‭ ‬عميقًا‭ ‬يصعب‭ ‬إزالته‭ ‬بسهولة‭.‬

وحتى‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬والتساؤلات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬طرحها‭ ‬وتداولها‭ ‬ومراجعتها،‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكرر‭ ‬التوقف‭ ‬عندها‭ ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬دروب‭ ‬الذكريات‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬الجوهري‭ ‬والأساسي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬المرحوم‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬لارتكاب‭ ‬حماقة‭ ‬غزو‭ ‬الكويت؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبه‭ ‬أو‭ ‬العامل‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬غفل‭ ‬عنه‭ ‬وتجاهله‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يعمل‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يستحقه‭ ‬من‭ ‬حساب‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬غزو‭ ‬الكويت؟

كان‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬يدرك‭ ‬بأن‭ ‬فراغا‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1970‭ ‬وبعد‭ ‬اهتزاز‭ ‬مكانته‭ ‬وقامته‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬حزيران‭ ‬1967‭.‬

ولما‭ ‬تولى‭ ‬صدام‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1979‭ ‬أصبح‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬لملء‭ ‬ذلك‭ ‬الفراغ‭ ‬وعن‭ ‬دور‭ ‬قيادي‭ ‬يعزز‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬واعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الفرصة‭ ‬قد‭ ‬حانت‭ ‬عندما‭ ‬قاطع‭ ‬العرب‭ ‬مصر‭ ‬وأنور‭ ‬السادات‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬الأخير‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬ميدان‭ ‬العنتريات‭ ‬والمزايدات‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬خيار‭ ‬الحرب،‭ ‬فأبرم‭ ‬اتفاقية‭ ‬صلح‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬استعاد‭ ‬بموجبها‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬عليها‭ ‬إسرائيل‭ ‬واحتلتها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967‭.‬

وعلى‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬دعا‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬عربي‭ ‬طارئ‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬للتصدي‭ ‬لخطوات‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬وسياساته،‭ ‬وقاد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬عملية‭ ‬مقاطعة‭ ‬مصر،‭ ‬وتزعم‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ‭ ‬“جبهة‭ ‬الرفض”‭.‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬1980‭ ‬نشبت‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهائها‭ ‬أصبح‭ ‬صدام‭ ‬ضحية‭ ‬لحالة‭ ‬من‭ ‬الوهم‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اعتقاده‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬دامت‭ ‬لثماني‭ ‬سنوات‭ ‬كما‭ ‬انتصر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬سعد‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬وقاص‭ ‬في‭ ‬“معركة‭ ‬القادسية”‭ ‬ضد‭ ‬الفرس‭ ‬التي‭ ‬دامت‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬والتي‭ ‬انهارت‭ ‬بعدها‭ ‬الدولة‭ ‬الساسانية‭ ‬الفارسية‭ ‬العتيدة،‭ ‬أما‭ ‬“قادسية‭ ‬صدام”‭ ‬فقد‭ ‬انتهت‭ ‬بعد‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬مكاسب‭ ‬تذكر‭ ‬للعراق،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ربما‭ ‬لجمت‭ ‬أطماع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬مؤقتًا،‭ ‬لكنها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬تثمر‭ ‬عن‭ ‬أية‭ ‬مكاسب‭ ‬أو‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬ملموسة‭ ‬ومحسوسة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬ثمنًا‭ ‬غاليًا‭ ‬وتكلفة‭ ‬باهظة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬والأموال‭.‬

وكان‭ ‬صدام‭ ‬يريد‭ ‬قادة‭ ‬الخليج‭ ‬أن‭ ‬يقبلوا‭ ‬ويعترفوا‭ ‬بأنه‭ ‬قاتل‭ ‬من‭ ‬أجلهم،‭ ‬وأنه‭ ‬كسب‭ ‬الحرب،‭ ‬وأصبح‭ ‬قائدًا‭ ‬منتصرًا‭ ‬يستحق‭ ‬التبجيل‭ ‬والإكبار‭ ‬وتقبيل‭ ‬الأيدي،‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬حمى‭ ‬البوابة‭ ‬الشرقية‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الزحف‭ ‬الجارف‭ ‬للإيرانيين،‭ ‬وعليه‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الخليج‭ ‬عمومًا‭ ‬والكويتيين‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬أن‭ ‬يقروا‭ ‬بالمعروف‭ ‬والجميل‭ ‬والدَّين‭ ‬الذي‭ ‬يطوق‭ ‬أرقابهم،‭ ‬وأن‭ ‬يسارعوا‭ ‬إلى‭ ‬تسديد‭ ‬ذلك‭ ‬الدين‭ ‬ودفع‭ ‬ثمن‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬أجلهم‭. ‬ولما‭ ‬لم‭ ‬يبادروا‭ ‬بذلك‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتوقعه‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يقبض‭ ‬الثمن‭ ‬بنفسه‭ ‬وبيديه‭.‬

تخيل‭ ‬صدام‭ ‬أن‭ ‬جيشه‭ ‬أقوى‭ ‬الجيوش‭ ‬وهو‭ ‬اعتقاد‭ ‬ليس‭ ‬مخطئًا‭ ‬برمته،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فالجيش‭ ‬الذي‭ ‬احتل‭ ‬الكويت‭ ‬انهار‭ ‬بصفوة‭ ‬رجاله‭ ‬وأفضل‭ ‬عتاده‭ ‬بشكل‭ ‬مزر‭ ‬ومخجل‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬معركة‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬وما‭ ‬أشبه‭ ‬اليوم‭ ‬بالبارحة‭!‬

اعتقد‭ ‬صدام‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬توفر‭ ‬مناخًا‭ ‬مواتيًا‭ ‬وملائمًا‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بتحقيق‭ ‬مآربه‭ ‬وتنفيذ‭ ‬خططه،‭ ‬وأن‭ ‬الدروب‭ ‬مهيأة‭ ‬وسالكة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬محقًا‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭.‬

إن‭ ‬الفريسة‭ ‬المستهدفة‭ ‬كانت‭ ‬الكويت،‭ ‬وكانت‭ ‬بالفعل‭ ‬فريسة‭ ‬سهلة،‭ ‬وادعة‭ ‬آمنة،‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬قوتها‭ ‬بقوة‭ ‬المفترس‭ ‬ولا‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬جندي‭.‬

ثم‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬من‭ ‬التشرذم‭ ‬والتصدع‭ ‬والانقسام‭.‬

وأما‭ ‬العالم‭ ‬برمته‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مشغولا‭ ‬ومنهمكا‭ ‬ومشدودا‭ ‬إلى‭ ‬تجاذبات‭ ‬واهتزازات‭ ‬مرحلة‭ ‬التحولات‭ ‬والتقلبات‭ ‬المتسارعة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬بداية‭ ‬تصدع‭ ‬وانهيار‭ ‬منظومة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ودول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬وما‭ ‬أدى‭ ‬إليه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭.‬

واستنتج‭ ‬صدام‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬المعطيات‭ ‬والظروف‭ ‬كافة‭ ‬كانت‭ ‬مهيأة‭ ‬لابتلاع‭ ‬الفريسة‭.‬

لكن‭ ‬العقبة‭ ‬أو‭ ‬الصخرة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬اصطدمت‭ ‬بها‭ ‬أطماع‭ ‬صدام،‭ ‬أو‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحسب‭ ‬له‭ ‬صدام‭ ‬حسابًا‭ ‬كافيًا‭ ‬كان‭ ‬المرحوم‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬الذي‭ ‬احتضن‭ ‬قضية‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬لحظتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وأدرك‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع،‭ ‬وقرر‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬طوفان‭ ‬العدوان‭ ‬والغدر‭ ‬والدمار؛‭ ‬فعمل‭ ‬على‭ ‬تعبئة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬حكومات‭ ‬ومنظمات‭ ‬وشعوبا‭ ‬لهذه‭ ‬القضية‭ ‬المصيرية،‭ ‬وأطلق‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬حملة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متشعبة‭ ‬غطت‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬والمحيط‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬العدوان‭ ‬وإزالة‭ ‬آثاره‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬الكويت‭ ‬وسلامتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬وعودة‭ ‬شرعيتها،‭ ‬ووضع‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬وبيده‭ ‬زمام‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬بمساندة‭ ‬أشقائه‭ ‬قادة‭ ‬الخليج،‭ ‬وجند‭ ‬شبكات‭ ‬علاقاته‭ ‬الدولية‭ ‬وسخر‭ ‬كل‭ ‬طاقاته‭ ‬وكل‭ ‬إمكانيات‭ ‬وموارد‭ ‬بلاده،‭ ‬وغامر‭ ‬وخاطر‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬وحماية‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬من‭ ‬الأخطار‭ ‬والتهديدات‭ ‬العراقية،‭ ‬وتحمل‭ ‬بل‭ ‬واجه‭ ‬تيارات‭ ‬وفتاوى‭ ‬مناهضة‭ ‬لمقتضيات‭ ‬واحتياجات‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬وجمع‭ ‬حولة‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬وعددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحق‭ ‬وعددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬تصدع‭ ‬موقف‭ ‬الأشقاء‭ ‬فإن‭ ‬الإبقاء‭ ‬أو‭ ‬ضمان‭ ‬موقف‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والحلفاء‭ ‬احتاج‭ ‬إلى‭ ‬مهارة‭ ‬خارقة‭ ‬وجهود‭ ‬مضنية‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬التضحيات،‭ ‬فالقضية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قضية‭ ‬مبدأ‭ ‬فقط‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تميل‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حماية‭ ‬وضمان‭ ‬مصالحهم‭ ‬وأهدافهم‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وللمصالح‭ ‬رياحها؛‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬بالطبع‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للانحياز‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬ستقدم‭ ‬لهم‭ ‬ضمانات‭ ‬أوفر‭ ‬لمصالحهم،‭ ‬وفي‭ ‬نفق‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الخانقة‭ ‬فإن‭ ‬التصدي‭ ‬للمزايدات‭ ‬والابتزاز‭ ‬احتاج‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الإرادة‭ ‬والحكمة‭ ‬والروية‭ ‬وهي‭ ‬خصال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تنقص‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬وأشقاءه‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭.‬

وتم‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬بفضل‭ ‬تصميم‭ ‬الكويتيين‭ ‬ووقوفهم‭ ‬وراء‭ ‬قيادتهم،‭ ‬وبفضل‭ ‬عزيمة‭ ‬وإصرار‭ ‬وشجاعة‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬وأشقائه‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬فتحية‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشقيقة‭ ‬في‭ ‬عيدها‭ ‬الوطني‭ ‬ويوم‭ ‬تحريرها‭ ‬وشكرًا‭ ‬للملك‭ ‬فهد‭ ‬ولقادة‭ ‬دولنا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭.‬