زبدة القول

أكبر عملية تجسس في التاريخ

| د. بثينة خليفة قاسم

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست‭ ‬الأميركية‭ ‬تقريرا‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الغرابة،‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬فمعناه‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬أصبح‭ ‬لعبة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬أهل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وأهل‭ ‬القوة‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬أسرار‭ ‬لأحد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭.‬

فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬أن‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأميركية‭ ‬“سي‭ ‬آي‭ ‬أيه”‭ ‬قامت‭ ‬هي‭ ‬والمخابرات‭ ‬الألمانية‭ ‬بعمل‭ ‬شركة‭ ‬تشفير‭ ‬سويسرية‭ ‬بشكل‭ ‬سري‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬أبرمت‭ ‬صفقات‭ ‬مع‭ ‬مئة‭ ‬وعشرين‭ ‬دولة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬مقابل‭ ‬بيع‭ ‬أجهزة‭ ‬تشفير‭ ‬لها،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬اشترتها‭ ‬الدولة‭ ‬لحفظ‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬السيادية‭ ‬فيها‭ ‬تم‭ ‬اختراقها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المخابرات‭ ‬الأميركية‭ ‬والألمانية،‭ ‬وتم‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الخطورة‭ ‬عن‭ ‬مراسلات‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والسفارات‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬ثقة‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬السويسرية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬معتقدة‭ ‬أن‭ ‬أسرارها‭ ‬في‭ ‬أمان‭ ‬تام‭.‬

شيء‭ ‬مرعب‭ ‬وقاس‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التجسس‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬ومعرفة‭ ‬أدق‭ ‬أسرارها‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اشترت‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭. ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الصحيفة‭ ‬الأميركية‭ ‬استثنت‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشرك‭ ‬الأميركي‭ ‬الألماني،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬مئة‭ ‬وعشرون‭ ‬دولة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬دفعت‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭.‬

ووصفت‭ ‬الصحيفة‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأميركية‭ ‬“ثيسوراس”‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تسمى‭ ‬لاحقا‭ ‬“روبيكون”‭ ‬بأنها‭ ‬تعد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أجرأ‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأميركية‭ ‬“سي‭ ‬آي‭ ‬أيه”،‭ ‬وأنها‭ ‬تكشف‭ ‬كيف‭ ‬استغلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سذاجة‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬فاستولت‭ ‬على‭ ‬أموالها‭ ‬واطلعت‭ ‬على‭ ‬أسرارها‭.‬

السؤال‭ ‬المرعب‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬بواسطة‭ ‬شركة‭ ‬تم‭ ‬تأسيسها‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطور‭ ‬الرهيب‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة؟‭ ‬

بالتأكيد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مخترق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الذين‭ ‬اخترعوه،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الأمان‭ ‬وكلمات‭ ‬المرور‭ ‬كلها‭ ‬أكاذيب‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬منها‭.‬