الابتزاز النووي والمأزق الإيراني (2)

| سالم الكتبي

وليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بات‭ ‬يعيش‭ ‬مأزقاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬فسياسة‭ ‬تحدي‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬أثبتت‭ ‬فشلها‭ ‬وعدم‭ ‬جدواها،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬مقتل‭ ‬الجنرال‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬ليثبت‭ ‬ضعف‭ ‬قدرة‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬تحدي‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأميركية‭ ‬وكذب‭ ‬الادعاءات‭ ‬التي‭ ‬روج‭ ‬لها‭ ‬بالانتقام‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬التقارير‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬قصف‭ ‬قاعدتين‭ ‬عسكريتين‭ ‬تتمركز‭ ‬بهما‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رد‭ ‬محسوب‭ ‬لحفظ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬وبضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أميركي‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬وإبلاغ‭ ‬مسبق‭ ‬للجيش‭ ‬الأميركي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭. ‬

واللافت‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الملالي،‭ ‬نجد‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬يواصل‭ ‬الخداع‭ ‬والأكاذيب‭ ‬مدعياً‭ ‬أن‭ ‬قتل‭ ‬سليماني‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬القدس،‭ ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجنرال‭ ‬حسين‭ ‬سلامي‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬نقلها‭ ‬التلفزيون‭ ‬الإيراني‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭ ‬40‭ ‬يوما‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬سليماني‭ ‬إن‭ ‬إيران‭ ‬ستضرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إذا‭ ‬ارتكبتا‭ ‬أقل‭ ‬خطأ‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ملالي‭ ‬إيران‭ ‬الذين‭ ‬احتفلوا‭ ‬مؤخراً‭ ‬بالذكرى‭ ‬الـ‭ ‬41‭ ‬لثورة‭ ‬الخميني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬فالشعارات‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬مؤيدو‭ ‬النظام‭ ‬احتفالاً‭ ‬بهذه‭ ‬الذكرى‭ ‬يغيب‭ ‬عنها‭ ‬تماماً‭ ‬الإحساس‭ ‬بمعاناة‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬جراء‭ ‬سياسات‭ ‬النظام،‭ ‬وتكفي‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تقارير‭ ‬رسمية‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الإيراني،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬المعروض‭ ‬النقدي‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬المحلية‭ ‬وارتفاع‭ ‬قياسي‭ ‬في‭ ‬الاقتراض‭ ‬الحكومي‭ ‬من‭ ‬البنوك،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفع‭ ‬حجم‭ ‬السيولة‭ ‬المالية‭ ‬إلى‭ ‬20262‭ ‬تريليون‭ ‬ريال‭ (‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬174‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬بزيادة‭ ‬28‭ % ‬و56‭ % ‬مقارنة‭ ‬بعامي‭ ‬2018‭ ‬و2017‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬وارتفاع‭ ‬السيولة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬ارتفاع‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬نحو‭ ‬40‭ % ‬بحسب‭ ‬البيانات‭ ‬الرسمية‭ ‬الإيرانية‭... ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬والمؤشرات‭ ‬تعني‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬التضييق‭ ‬والمعاناة‭ ‬وانهيار‭ ‬الخدمات‭ ‬ومستوى‭ ‬معيشة‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني،‭ ‬وهي‭ ‬أثمان‭ ‬تدفعها‭ ‬الملايين‭ ‬مقابل‭ ‬الأوهام‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬خيالات‭ ‬قادة‭ ‬النظام‭ ‬ورغبتهم‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬والتوغل‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬وتجاهل‭ ‬مطالب‭ ‬شعبهم‭ ‬وحقه‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬يستحقها‭.‬

والخلاصة‭ ‬أن‭ ‬استجداء‭ ‬المساعدات‭ ‬من‭ ‬الأوروبيين‭ ‬لن‭ ‬ينقذ‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬مأزقه‭ ‬ولن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬معضلته،‭ ‬فالحل‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخرقاء‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬والنهج‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬عليه‭. ‬“إيلاف”‭.‬