سوالف

مكتبة علي الشرقاوي.. قصيدة طويلة متوجة بالنعيم والإبداع

| أسامة الماجد

غرفة‭ ‬دافئة،‭ ‬ممتلكات‭ ‬قديمة‭ ‬وكتب‭ ‬مفروشة‭ ‬ومغروسة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬منضدة‭ ‬مطرزة‭ ‬بإبر‭ ‬المودة‭ ‬والمحبة،‭ ‬وصور‭ ‬كنسيج‭ ‬الدراما‭ ‬تحتضن‭ ‬الجدار‭ ‬مثبتة‭ ‬بعضلات‭ ‬مارد،‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬أنزع‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬بيتي‭ ‬وأذهب‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬“نون”‭ ‬مكتبة‭ ‬شاعرنا‭ ‬الكبير‭ ‬علي‭ ‬الشرقاوي‭ ‬شافاه‭ ‬الله‭ ‬وأطال‭ ‬بعمره،‭ ‬للقاء‭ ‬أصدقاء‭ ‬الموانئ‭ ‬القديمة،‭ ‬أصدقاء‭ ‬الفن‭ ‬والمسرح‭ ‬والكتابة‭ ‬والإخراج‭ ‬والموسيقى‭ ‬والنقد،‭ ‬هناك‭ ‬أخوة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لذكر‭ ‬الاسماء‭ ‬،‭ ‬ورفقة‭ ‬تشتاق‭ ‬إلى‭ ‬كيمياء‭ ‬الكلمة‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬ينبوع‭ ‬الفن‭ ‬والثقافة‭. ‬ليس‭ ‬تجمعا‭ ‬عاديا‭ ‬كمن‭ ‬يهوى‭ ‬ركوب‭ ‬البحر،‭ ‬إطلاقا‭... ‬فالذي‭ ‬يدخل‭ ‬المكتبة‭ ‬يحلق‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬فكري،‭ ‬يطوف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الآفاق،‭ ‬يخطو‭ ‬ويذوب‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬النقاش‭ ‬والمساجلات،‭ ‬ويتألق‭ ‬مع‭ ‬تألق‭ ‬النقد‭ ‬وقراءة‭ ‬التجارب،‭ ‬والتلاقي‭ ‬والامتزاج‭.‬

ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مكتبة،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬مكان‭ ‬للنقاشات‭ ‬الفنية‭ ‬والثقافية‭ ‬الخصبة‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تدرس‭ ‬فيه‭ ‬الفنون‭ ‬ومناخها‭ ‬وطبيعتها،‭ ‬ولست‭ ‬أدري‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬محض‭ ‬صدفة‭ ‬أم‭ ‬كان‭ ‬محض‭ ‬اختيار‭ ‬أن‭ ‬نجتمع‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬وأعماقنا‭ ‬مجنحة‭ ‬بالأشواق‭ ‬وترفع‭ ‬صواري‭ ‬الأمل‭ ‬الأخضر،‭ ‬وباقة‭ ‬الزهر‭ ‬الأبيض‭ ‬تتهادى‭ ‬بين‭ ‬أحضاننا‭. ‬أشعر‭ ‬أننا‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬أوبرا‭ ‬ويطالعنا‭ ‬بيتهوفن‭ ‬وتشايكوفيسكي‭ ‬ونحن‭ ‬نكتب‭ ‬سيمفونية‭ ‬“علي‭ ‬الشرقاوي”‭ ‬الذي‭ ‬جمعنا‭ ‬على‭ ‬المقاعد‭ ‬القرمزية‭ ‬الناعمة‭ ‬وعلمنا‭ ‬ألحان‭ ‬السعادة‭ ‬وكم‭ ‬هي‭ ‬جميلة‭ ‬تلك‭ ‬الأوتار‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬عواطفنا‭ ‬المعقدة‭.‬

أشعر‭ ‬بالحياة‭ ‬كلما‭ ‬أدخل‭ ‬المكتبة،‭ ‬فهي‭ ‬قصيدة‭ ‬طويلة‭ ‬متوجة‭ ‬بالنعيم‭ ‬والإبداع‭ ‬وملائمة‭ ‬لحالة‭ ‬النفس‭ ‬المتفتحة‭ ‬العاشقة‭ ‬للفنون‭ ‬والثقافة،‭ ‬إنها‭ ‬باقات‭ ‬شوق‭ ‬ونسمة‭ ‬حب،‭ ‬ونشيد‭ ‬الروعة،‭ ‬وأكاد‭ ‬أجزم‭ ‬أنها‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭ ‬والخليجي،‭ ‬فهي‭ ‬منبر‭ ‬شامل‭ ‬لتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬والمناقشات‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬وواحة‭ ‬للمبدعين‭ ‬والدارسين‭ ‬والنقاد‭ ‬وإعادة‭ ‬التكوين،‭ ‬وسيسجل‭ ‬التاريخ‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬ريب‭ ‬لمكتبة‭ ‬علي‭ ‬الشرقاوي‭ ‬هذا‭ ‬المكسب‭ ‬الكبير‭ ‬لأهل‭ ‬الفن‭ ‬والثقافة‭.‬