المصلحة القومية والتحالفات الدولية

| بدور عدنان

على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصعدة‭ ‬تتباين‭ ‬التحالفات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬لكن‭ ‬الكلمة‭ ‬الفاصلة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تحالف‭ ‬تبقى‭ ‬المصلحة‭ ‬القومية،‭ ‬فأي‭ ‬تحالف‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬سواءً‭ ‬كان‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬أم‭ ‬سياسيا،‭ ‬أم‭ ‬ثقافيا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عسكريا،‭ ‬يكون‭ ‬جوهره‭ ‬ومضمونه‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬أو‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬القومية‭ ‬للدول‭. ‬

فقد‭ ‬شهدنا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬تعاون‭ ‬الأعداء‭ ‬واجتماعهم‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬معينة،‭ ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬شهدنا‭ ‬تفرق‭ ‬الحلفاء‭ ‬والجيران‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬قضية‭ ‬معينة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويبقى‭ ‬الفيصل‭ ‬ومقياس‭ ‬كل‭ ‬خيار‭ ‬المصلحة‭ ‬القومية‭.‬

على‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬تجاه‭ ‬القضايا‭ ‬الحالية‭ ‬ولربما‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬إدلب‭ ‬السورية،‭ ‬فروسيا‭ ‬التي‭ ‬تغاضت‭ ‬وتساهلت‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬توغل‭ ‬الحليف‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬السوري‭ ‬بحجة‭ ‬تأمين‭ ‬تركيا‭ ‬حدودها‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬الأكراد‭ ‬وموجات‭ ‬نزوح‭ ‬اللاجئين‭ ‬والإرهابيين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬اختلف‭ ‬موقفها‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬اجتياح‭ ‬حلب،‭ ‬النظام‭ ‬الروسي‭ ‬اليوم‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬مصلحته‭ ‬القومية‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التقارب‭ ‬الأخير‭ ‬بينهما،‭ ‬خصوصاً‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬والذي‭ ‬بلغ‭ ‬ذروته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اقتنت‭ ‬تركيا‭ ‬منظومة‭ ‬صواريخ‭ ‬أس‭ ‬400‭ ‬من‭ ‬الروس،‭ ‬ضاربةً‭ ‬تحالفها‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬ضمن‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭) ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬فالمصلحة‭ ‬القومية‭ ‬لتركيا‭ ‬تستوجب‭ ‬اقتناء‭ ‬أفضل‭ ‬وأحدث‭ ‬الأسلحة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬العدو‭ ‬اللدود‭ ‬لحلفائها‭.‬

ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأحلاف‭ ‬ليست‭ ‬ثابتة‭ ‬ومستقرة،‭ ‬فحليف‭ ‬اليوم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عدو‭ ‬الغد،‭ ‬وذلك‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬المصلحة‭ ‬القومية‭ ‬والتي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬قائم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تثبيت‭ ‬أركانه‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقراره‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬نستخلص‭ ‬أن‭ ‬تنويع‭ ‬الحلفاء‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الفاعلين‭ ‬الدوليين‭ ‬أمرٌ‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬خصوصاً‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمصلحة‭ ‬القومية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الأخطاء‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬حليف‭ ‬واحد‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬القطب‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭.‬