الابتزاز النووي والمأزق الإيراني (1)

| سالم الكتبي

لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬طريقة‭ ‬تعاطي‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬الإيراني‭ ‬مع‭ ‬المأزق‭ ‬الذي‭ ‬يعانيه‭ ‬حالياً‭ ‬سوى‭ ‬بأنها‭ ‬ابتزاز‭ ‬غير‭ ‬مجد،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيراني‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬ظريف‭ ‬مؤخراً‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬مستعدة‭ ‬للتراجع،‭ ‬جزئياً‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كلياً،‭ ‬عن‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تخليها‭ ‬عن‭ ‬التزاماتها‭ ‬ضمن‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قدم‭ ‬الأوروبيون‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬مكاسب‭ ‬اقتصادية‭ ‬“ملموسة”،‭ ‬وقال‭ ‬ظريف‭ ‬خلال‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬ميونخ‭ ‬للأمن‭ ‬إنه‭ ‬بإمكان‭ ‬إيران‭ ‬القبول‭ ‬بشروط‭ ‬معينة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬2015‭ ‬والذي‭ ‬انسحبت‭ ‬منه‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬أحاديا‭ ‬في‭ ‬2018‭.‬

حديث‭ ‬ظريف‭ ‬يعني‭ ‬أمورا‭ ‬عدة،‭ ‬أولها‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬اعترافاً‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬بأن‭ ‬سياسة‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬تحقق‭ ‬مفعولها‭ ‬وأنها‭ ‬تدفع‭ ‬الملالي‭ ‬دفعاً‭ ‬للقبول‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬اقتصادي‭ ‬يقدم‭ ‬لهم‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬العناد‭ ‬والمكابرة‭ ‬والقبول‭ ‬بالعودة‭ ‬لشروط‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬وثاني‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬الملالي‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬استراتيجية‭ ‬فاعلة‭ ‬لتوظيف‭ ‬مسألة‭ ‬الانسحاب‭ ‬المرحلي‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬انتزاع‭ ‬تنازلات‭ ‬أميركية‭ ‬وأن‭ ‬الرهان‭ ‬بات‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مقابل‭ ‬مادي‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وثالث‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬تخلى‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬التهديد‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬واعتمد‭ ‬سياسة‭ ‬براجماتية‭ ‬تعلي‭ ‬مصلحة‭ ‬النظام‭ ‬وبقاءه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عداها‭ ‬من‭ ‬مزايدات‭ ‬سياسية‭.‬

عندما‭ ‬يقول‭ ‬ظريف‭ ‬إن‭ ‬الملالي‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتخلي‭ ‬جزئياً‭ ‬أو‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬قاموا‭ ‬بها،‭ ‬فإنه‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬استسلام‭ ‬تام‭ ‬وقلق‭ ‬فعلي‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬استمرار‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬جيداً‭ ‬كلامه‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمر‭ ‬“قلنا‭ ‬إننا‭ ‬مستعدون‭ ‬لإبطاء‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬أو‭ ‬عكس‭ ‬مسارها‭ ‬بشكل‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬ستقوم‭ ‬به‭ ‬أوروبا”،‭ ‬وأضاف‭ ‬“سنقر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬ستقوم‭ ‬به‭ ‬أوروبا‭ ‬كافياً‭ ‬لكي‭ ‬نخفض‭ ‬أو‭ ‬نلغي‭ ‬بعض‭ ‬القرارات‭ ‬–‭ ‬لم‭ ‬نستثن‭ ‬القيام‭ ‬بخطوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬ببعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذناها”‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الملالي‭ ‬أقدموا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬5‭ ‬مراحل‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬خفض‭ ‬الالتزامات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬والآن‭ ‬وقد‭ ‬أدركوا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الإقدام‭ ‬عليه‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬انتزاع‭ ‬تنازلات‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬فقد‭ ‬لجأوا‭ ‬لعرض‭ ‬التنازل‭ ‬العكسي‭ ‬مقابل‭ ‬عوائد‭ ‬مادية‭. ‬“إيلاف”‭.‬