زبدة القول

المراهقة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي

| د. بثينة خليفة قاسم

سيبدو‭ ‬العنوان‭ ‬غريبا‭ ‬للكثيرين،‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬أن‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العنوان،‭ ‬فأية‭ ‬علاقة‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬إقامتها‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬بين‭ ‬المراهقة‭ ‬كمرحلة‭ ‬سنية‭ ‬لها‭ ‬ظروفها‭ ‬ومشكلاتها‭ ‬وبين‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

لكن‭ ‬على‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬الشخصية‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬المراهقة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الإنترنت‭ ‬أصبحت‭ ‬شيئا‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الخطورة،‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬درجة‭ ‬تعليم‭ ‬وثقافة‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬فسوف‭ ‬يواجهون‭ ‬مشكلات‭ ‬جمة‭ ‬في‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭ ‬المراهقين‭ ‬الذين‭ ‬يقضون‭ ‬معظم‭ ‬وقتهم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬منفصلين‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬توجيهات‭ ‬الأب‭ ‬وقلق‭ ‬الأم‭.‬

الشاب‭ ‬المراهق‭ ‬يقضي‭ ‬معظم‭ ‬يومه‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الأسطوري‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬العقل‭ ‬وما‭ ‬يفسده‭ ‬أيضا،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬موجود‭ ‬عند‭ ‬طرف‭ ‬إصبعه‭ ‬ولا‭ ‬يفصله‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬العوالم‭ ‬سوى‭ ‬لمسة‭ ‬السبابة‭.‬

قليل‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬يقومون‭ ‬بتوجيه‭ ‬أبنائهم‭ ‬وتربيتهم‭ ‬التربية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تقودهم‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬تحصيل‭ ‬العلوم‭ ‬وتحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬منفعة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشبكة،‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬يقومون‭ ‬بوضع‭ ‬تطبيق‭ ‬معين‭ ‬على‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬أو‭ ‬الموبايل‭ ‬لكي‭ ‬يمنع‭ ‬فتح‭ ‬المواقع‭ ‬المشبوهة‭ ‬والضارة‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬يدخل‭ ‬إليها‭ ‬المراهق‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاستكشاف‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ثم‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مدمن‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬إليها،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬ينفرد‭ ‬الشاب‭- ‬أو‭ ‬الفتاة‭ - ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬حجرته‭ ‬حتى‭ ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬عالمه‭ ‬السري‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬كثيرة‭.‬

ولكن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬بما‭ ‬يشاهده‭ ‬أولادهم‭ ‬أو‭ ‬يقرأونه‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬فهم‭ ‬أنفسهم‭ ‬منشغلون‭ ‬بأعمالهم‭ ‬أو‭ ‬منكبون‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬هواتفهم‭ ‬الذكية‭ ‬ينشرون‭ ‬ويتابعون‭ ‬الفيسبوك‭ ‬والواتس‭ ‬أب‭ ‬مقدمين‭ ‬لأبنائهم‭ ‬قدوة‭ ‬سيئة‭ ‬ومبررين‭ ‬لهم‭ ‬حالة‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يعيشونه‭.‬

وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬نجد‭ ‬شكاوى‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬منزعجين‭ ‬مما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬أبناؤهم‭ ‬من‭ ‬استهتار‭ ‬وانحراف‭ ‬ناسين‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يؤدوا‭ ‬ما‭ ‬عليهم‭ ‬تجاه‭ ‬هؤلاء‭ ‬المراهقين‭ ‬وكأن‭ ‬مهمة‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬هي‭ ‬تقديم‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬والملبس‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المراهقين،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬الأبناء‭ ‬هي‭ ‬أضعاف‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬الآباء‭.‬