وَخْـزَةُ حُب

قالبك أهم من عجينك!

| د. زهرة حرم

مجتمعاتنا‭ ‬مشغولة‭ ‬بصناعة‭ ‬القوالب‭! ‬تستميت‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬أشكالها‭ ‬الثابتة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭! ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬لا‭ ‬تغفر‭ ‬لأحد‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬شكل‭ ‬القالب‭! ‬أما‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬داخل‭ ‬القالب؛‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬ثانوي،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هامشيا‭! ‬فهو‭ ‬قابل‭ ‬للتعديل،‭ ‬أو‭ ‬التغيير،‭ ‬أو‭ ‬التلوين،‭ ‬أو‭ ‬الإضافة‭ ‬والنقصان‭! ‬بالضبط‭ ‬مثل‭ ‬عجين‭ ‬الكعك‭! ‬والعجين‭ ‬هذا‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬تعلمون‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خلطة‭ ‬داخلية،‭ ‬مستورة،‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭! ‬أما‭ ‬القالب‭ ‬فهو‭ ‬الظاهر،‭ ‬وهو‭ ‬الشاهر‭ ‬الجاهر،‭ ‬ولذلك؛‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متوائمًا‭ ‬ومتوافقًا‭ ‬مع‭ ‬أعراف‭ ‬وتقاليد،‭ ‬وطريقة‭ ‬نظر‭ ‬وتفكير‭ ‬المجتمع‭.‬

العجين‭ ‬يمثل‭ ‬الجوهر،‭ ‬والقيمة،‭ ‬والمخبر،‭ ‬والنوايا،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬محل‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الإعراب،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬الماديات،‭ ‬وعمليات‭ ‬التجميل‭ ‬الخارجية،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬هنا‭ ‬تجميل‭ ‬الجسد‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تجميل‭ ‬السلوكيات،‭ ‬وتمثيل‭ ‬الأدوار؛‭ ‬بحيث‭ ‬يظهر‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬القالب‭ ‬المطلوب،‭ ‬والمرغوب‭ ‬فيه‭ ‬مجتمعيًا،‭ ‬لا‭ ‬يحيد‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬يزيغ،‭ ‬علّه‭ ‬–‭ ‬بذلك‭ - ‬ينال‭ ‬الرضا،‭ ‬والقبول،‭ ‬والاقتراب‭ ‬من‭ ‬جماعته‭.‬

غالبيتنا‭ ‬قوالب‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬قوالب‭ ‬أصبحناها،‭ ‬وتلبسناها،‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مألوف،‭ ‬وجاهز،‭ ‬ومرسوم‭ ‬لنا،‭ ‬كأفراد‭ ‬في‭ ‬جماعة‭.. ‬فإن‭ ‬رغبتُ‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أكونَ‭ ‬متدينًا‭ - ‬مثلا‭ ‬–‭ ‬فلن‭ ‬يُعييني‭ ‬أو‭ ‬يشقّ‭ ‬عليّ‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬القالب‭ ‬الذي‭ ‬سيحدد‭ ‬شكلي‭ ‬الخارجي؛‭ ‬فهو‭ ‬معلوم‭ ‬ومعروف‭ ‬لديّ‭ ‬سلفًا،‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬للخروج‭ ‬ببدعة‭ ‬هنا‭! ‬كل‭ ‬ما‭ ‬علي‭ ‬القيام‭ ‬به،‭ ‬هو‭ ‬تبني‭ ‬المطلوب‭ ‬الآتي‭: ‬طبيعة‭ ‬ملابسي،‭ ‬وطريقة‭ ‬مشيتي،‭ ‬وكيفية‭ ‬تحركي،‭ ‬ونبرة‭ ‬صوتي،‭ ‬وحضوري‭ ‬اليومي‭ ‬إلى‭ ‬المساجد‭! ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬قالب‭ ‬ترغب‭ ‬أو‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬تكونه‭.‬

فأي‭ ‬قالب‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬تكونه‭ ‬أنت؟‭ ‬أية‭ ‬صورة‭ ‬رسمتها‭ ‬لنفسك،‭ ‬وأردت‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬التعاطي‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬معك‭ ‬على‭ ‬أساسها؟‭! ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬وظيفتك‭ ‬بالضرورة‭ ‬هي‭ ‬قالبك‭ ‬الخارجي‭! ‬قد‭ ‬ترغبين‭ ‬–‭ ‬أنتِ‭ - ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكوني‭ (‬الفاشنيستا‭) ‬أمام‭ ‬بنات‭ ‬جنسك؛‭ ‬فتلبسين‭ ‬قالبها،‭ ‬وتتصرفين‭ ‬على‭ ‬أساسه‭! ‬قد‭ ‬تُصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يناديك‭ ‬الآخرون‭ ‬بلقب‭ (‬الدكتور‭)‬؛‭ ‬لأنك‭ ‬تراه‭ ‬ممثلا‭ ‬للقالب‭ ‬الذي‭ ‬تريد‭ ‬الظهور‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭! ‬وهكذا،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال؛‭ ‬فإن‭ ‬اختيارك‭ ‬للقالب‭ ‬الذي‭ ‬ستبرز‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬لن‭ ‬يحدد‭ ‬تصرفاتك‭ ‬نحوهم‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تصرفاتهم‭ ‬هم‭ ‬تجاهك‭.‬

من‭ ‬هنا؛‭ ‬احرص‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬قالبك،‭ ‬لا‭ ‬لأنه‭ ‬سيمثلك‭ ‬وحسب،‭ ‬بل؛‭ ‬لأنك‭ ‬ستتحمل‭ ‬جميع‭ ‬تبعاته‭ ‬وأوزاره،‭ ‬فالناس‭ ‬لن‭ ‬تحكم‭ ‬على‭ ‬عجينك‭ ‬المخفيّ‭ ‬داخل‭ ‬قالبك‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬–‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬تظهره‭ ‬من‭ ‬سلوكيات،‭ ‬وأفعال‭ ‬خارجية‭! ‬الجميع‭ ‬معنيون‭ ‬بما‭ ‬تُظهر،‭ ‬ويفترضون‭ ‬أنه‭ ‬مرآة‭ ‬عاكسة‭ ‬لنواياك،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كذلك‭ ‬حقيقةً‭! ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬لن‭ ‬يعنيهم‭ ‬عجينك؛‭ ‬فهو‭ ‬لك،‭ ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬معنيون‭ ‬بالقالب‭ ‬الذي‭ ‬أصبحته‭.‬