ريشة في الهواء

تهميش المثقفين والأدباء أنفسهم!

| أحمد جمعة

أندهش‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬حين‭ ‬يشتكون‭ ‬معاناة‭ ‬تهميشهم،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬همشوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬ينتبهوا‭ ‬لمكانتهم،‭ ‬فالثقافة،‭ ‬سهلة‭ ‬الهضم‭ ‬وعسيرة‭ ‬الهضم‭ ‬بذات‭ ‬الوقت،‭ ‬سهلة‭ ‬حينما‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ ‬واسعة‭ ‬للقادم‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬أيا‭ ‬كان؟‭ ‬كتابا‭ ‬أو‭ ‬موسيقى؟‭ ‬محاضرة‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬سياسية؟‭ ‬مقابلة‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬المثقف‭ ‬أو‭ ‬الأديب‭ ‬أو‭ ‬المحاضر،‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الوطن،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬لديك‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬منصة‭ ‬وشكرا‭ ‬مع‭ ‬السلامة؟‭ ‬أما‭ ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الوطن،‭ ‬فقد‭ ‬حزت‭ ‬بداية‭ ‬على‭ ‬تذكرة‭ ‬السفر‭ ‬بدرجة‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬وحجز‭ ‬لأيام‭ ‬بفندق‭ ‬خمس‭ ‬نجوم‭ ‬وتكريم‭ ‬مالي‭ ‬وأدبي‭ ‬وتوديع‭ ‬مع‭ ‬مرافق‭ ‬لباب‭ ‬الطائرة،‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬الأسعار‭ ‬فالأديب‭ ‬والمثقف‭ ‬المحلي‭! ‬لا‭ ‬سعر‭ ‬له،‭ ‬المقابلة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬بدون‭ ‬مقابل‭ ‬والمحاضرة‭ ‬بمركز‭ ‬ثقافي‭ ‬مجانية‭ ‬والندوة‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬رسمية‭ ‬مجانية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ثمن‭ ‬فهو‭ ‬رمزي‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬ورقة‭ ‬صفراء‭ ‬اسمها‭ ‬“شهادة‭ ‬تكريم”‭ ‬“غطسها‭ ‬واشربها‭ ‬مع‭ ‬الشاي”‭! ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يبدأ‭ ‬بمقابل‭ ‬مع‭ ‬الضيف‭ ‬الأجنبي‭ ‬وينتهي‭ ‬بالمجان‭ ‬مع‭ ‬الضيف‭ ‬المحلي،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬التهميش‭ ‬للعنصر‭ ‬الوطني؟‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬ستبقى‭ ‬النظرة‭ ‬قاصرة‭ ‬تجاه‭ ‬الكاتب‭ ‬والفنان‭ ‬والأديب‭ ‬الذي‭ ‬أفنى‭ ‬حياته‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬وتسمو‭ ‬النظرة‭ ‬بمجرد‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬العنصر‭ ‬الخارجي؟‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬قصير‭ ‬النظر‭ ‬السائد‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لتعديله،‭ ‬ووضع‭ ‬العنصر‭ ‬الوطني‭ ‬بالمكانة‭ ‬التي‭ ‬يستحقها‭ ‬حاله‭ ‬حال‭ ‬بقية‭ ‬الثقافات‭ ‬بالعالم‭.‬

لكن‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬يتحمل‭ ‬المثقف‭ ‬والأديب‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬لأنه‭ ‬ارتضى‭ ‬لنفسه‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وهذا‭ ‬التهميش‭ ‬حين‭ ‬رضي‭ ‬وقبل‭ ‬هذه‭ ‬المعاملة،‭ ‬فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬المشاركة‭ ‬بفعالية،‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬حتى‭ ‬يعدو‭ ‬إلى‭ ‬تسلق‭ ‬المنصة‭ ‬همه‭ ‬الوحيد‭ ‬البروز‭ ‬والانتشار،‭ ‬بهذه‭ ‬الهرولة‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يضعها‭ ‬بهذا‭ ‬القالب‭ ‬والاستسلام‭ ‬لهذه‭ ‬المكانة،‭ ‬وعليه‭ ‬ألا‭ ‬يشكو‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأنه،‭ ‬ويحضرني‭ ‬بهذا‭ ‬المقام‭ ‬قول‭ ‬أبوالفرج‭ ‬بن‭ ‬الجوزي‭: ‬يرون‭ ‬العجيب‭ ‬كلام‭ ‬الغريب‭... ‬وقول‭ ‬القريب‭ ‬فلا‭ ‬يعجب،‭ ‬وعذرهم‭ ‬عند‭ ‬توبيخهم‭... ‬مغنية‭ ‬الحي‭ ‬ما‭ ‬تطرب‭. ‬

هكذا‭ ‬تضيق‭ ‬خريطة‭ ‬الوطن‭ ‬على‭ ‬العنصر‭ ‬المحلي‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬وتتسع‭ ‬للعنصر‭ ‬الأجنبي‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬إسفاف،‭ ‬وصدق‭ ‬القول‭ ‬المأثور،‭ ‬“لا‭ ‬كرامة‭ ‬لنبيٍ‭ ‬بين‭ ‬قومه”‭.‬

 

تنويرة‭:‬

الجميع‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الأرض‭ ‬كروية،‭ ‬لكن‭ ‬تصرفاتهم‭ ‬لا‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭!.‬