ذكرى الثورة الإيرانية

| صالح القلاب

كان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬أيضاً‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬غالبية‭ ‬العرب‭ ‬قد‭ ‬تفاءلوا‭ ‬وراهنوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬“الثورة”‭ ‬ستقرب‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬وكانت‭ ‬إذاعة‭ ‬“صوت‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية”،‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬من‭ ‬بيروت،‭ ‬قد‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬“نشيد”‭ ‬يقول‭: ‬“هبَّت‭ ‬رياح‭ ‬الخميني‭ ‬وكان‭ ‬ياما‭ ‬كان”،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬أصيب‭ ‬المتفائلون‭ ‬بخيبة‭ ‬كبيرة‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬الرياح‭ ‬الخمينية‭ ‬تهب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬وعندما‭ ‬اندلعت‭ ‬حرب‭ ‬الثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬المدمرة‭ ‬وثبت‭ ‬لاحقاً‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬طهران‭ ‬ليس‭ ‬تحرير‭ ‬القدس‭ ‬ولا‭ ‬وطن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬إنما‭ ‬إضفاء‭ ‬الرداء‭ ‬المذهبي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬واستعادة‭ ‬ما‭ ‬يعتبرونه‭ ‬“أمجاد‭ ‬فارس‭ ‬القديمة”‭.‬

وعليه‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الـ‭ ‬“إيران”،‭ ‬الخمينية‭ ‬والخامنئية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬ومعهم‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬بمعظمه،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬ليس‭ ‬كله،‭ ‬يراهنون‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬سترفع‭ ‬راية‭ ‬تحرير‭ ‬القدس‭ ‬وفلسطين،‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬اتضحت‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭ ‬وأنها‭ ‬باتت‭ ‬تحتل‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬كاحتلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬وطن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأيضاً‭ ‬احتلال‭ ‬سوريا‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬أيضاً‭!‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬واحد‭ ‬وأربعين‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬فرح‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فرح‭ ‬الإيرانيين‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬خلصتهم‭ ‬من‭ ‬الشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬وتطلعاته‭ ‬التوسعية،‭ ‬فإن‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬دخلت‭ ‬دائرة‭ ‬الانهيار‭ ‬وباتت‭ ‬تعد‭ ‬أيامها‭ ‬الأخيرة‭ ‬وأن‭ ‬أبناء‭ ‬وأحفاد‭ ‬الذين‭ ‬راهنوا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ستعيد‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬إلى‭ ‬أمجاده‭ ‬القديمة‭ ‬باتوا‭ ‬يسعون‭ ‬سعياً‭ ‬جاداً‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬“طغمة”‭... ‬نعم‭ ‬طغمة‭ ‬مغامرة‭ ‬ومتسلطة‭ ‬أوصلت‭ ‬بلدهم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭.‬

أذْكر‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬أحد‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬رافقوا‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الراحل‭ (‬أبو‭ ‬عمار‭) ‬في‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬انتصار‭ ‬ثورتها‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬“طلب”‭ ‬من‭ ‬الخميني‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الجزر‭ ‬الثلاث‭: ‬“طمب‭ ‬الكبرى‭ ‬وطمب‭ ‬الصغرى‭ ‬وأبوموسى”‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬كبادرة‭ ‬حسن‭ ‬نوايا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬تجاه‭ ‬الإماراتيين‭ ‬والعرب‭ ‬كلهم،‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أنه‭ ‬“انتفض”‭ ‬وقال‭ ‬وهو‭ ‬يتفجر‭ ‬غضباً‭: ‬“إن‭ ‬هذه‭ ‬الجزر‭ ‬إيرانية،‭ ‬وستبقى‭ ‬إيرانية‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬القيامة”‭.‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الـ”إيران”،‭ ‬الخمينية‭ ‬والخامنئية،‭ ‬اقتربت‭ ‬لحظة‭ ‬رحيلها،‭ ‬وإن‭ ‬توحيد‭ ‬“المعارضة‭ ‬الإيرانية”‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬قريبة‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬تفاهماً‭ ‬فعلياً‭ ‬وحقيقياًّ‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬ويتطلب‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬دعم‭ ‬عربي‭ ‬حقيقي‭ ‬وأن‭ ‬يقود‭ ‬“مجاهدوا‭ ‬خلق”،‭ ‬الذين‭ ‬يمثلون‭ ‬الرقم‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬المستجدة،‭ ‬المسيرة‭ ‬كما‭ ‬قادوها‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬سابقة‭. ‬“إيلاف”‭.‬