سوالف

“موت صاحب العربة” تحفة عالمية خالدة

| أسامة الماجد

خلال‭ ‬ترتيب‭ ‬مكتبتي‭ ‬وفهرستها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وقعت‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬قصة‭ ‬“موت‭ ‬صاحب‭ ‬العربة”‭ ‬للأديب‭ ‬البحريني‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬عبدالملك،‭ ‬وضعتها‭ ‬على‭ ‬جنب‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬قراءتها‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬تتبعت‭ ‬كلماتها‭ ‬حتى‭ ‬الجذور‭ ‬واستمتعت‭ ‬بحبكتها‭ ‬وتصويرها‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭ ‬وطريقة‭ ‬تلقي‭ ‬الأحداث‭ ‬والمشاعر‭ ‬والاكتشاف‭ ‬الفظيع‭ ‬للبؤس‭ ‬وألم‭ ‬المعدمين،‭ ‬وأكاد‭ ‬أجزم‭ ‬أن‭ ‬محمد‭ ‬عبدالملك‭ ‬أروع‭ ‬من‭ ‬نقل‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭.‬

خذ‭ ‬ما‭ ‬شئت‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬أدبي‭ ‬عالمي‭ ‬مشهور‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬أو‭ ‬دراما‭ ‬أو‭ ‬قصة‭ ‬أو‭ ‬ملحمة،‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬منشئه‭ ‬لم‭ ‬يحاول‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬“آلام‭ ‬الإنسانية‭ ‬وآمالها”،‭ ‬ولم‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إنسانية‭ ‬عريضة‭ ‬شاملة،‭ ‬ولم‭ ‬يسع‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬أدب‭ ‬يصور‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬ويكون‭ ‬في‭ ‬استطاعة‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬هذا‭ ‬التصوير‭ ‬وتقدره،‭ ‬ولو‭ ‬وضع‭ ‬نصب‭ ‬عينيه‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬الغامض‭ ‬المشتت‭ ‬لما‭ ‬أنتج‭ ‬تحفة‭ ‬عالمية‭ ‬خالدة،‭ ‬ولما‭ ‬أنتج‭ ‬سوی‭ ‬بدیهیات‭ ‬غثة‭ ‬وشعارات‭ ‬مائعة‭ ‬وملاحظات‭ ‬سطحية‭ ‬تافهة،‭ ‬إنما‭ ‬وضع‭ ‬ذلك‭ ‬المنشئ‭ ‬نصب‭ ‬عينيه‭ ‬أن‭ ‬يصور‭ ‬مشاعر‭ ‬قوم‭ ‬معينين‭ ‬وتجاربهم،‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬خاصة‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬محدد،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬محمد‭ ‬عبدالملك‭.‬

الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الصفة‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بالتوسع‭ ‬الأفقي،‭ ‬بل‭ ‬بالتغلغل‭ ‬الرأسي،‭ ‬فالذي‭ ‬يجعل‭ ‬الأديب‭ ‬أديبا‭ ‬محليا‭ ‬قاصرا‭ ‬أو‭ ‬يجعله‭ ‬أديبا‭ ‬عالميا‭ ‬شاملا‭ ‬ليس‭ ‬تناوله‭ ‬الأمور‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬تناوله‭ ‬الحقائق‭ ‬العالمية،‭ ‬إنما‭ ‬مقدار‭ ‬نفاذه‭ ‬وتعمقه‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية،‭ ‬ولن‭ ‬يستطيع‭ ‬أديب‭ ‬أن‭ ‬يحلل‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬بشكل‭ ‬مجرد‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬المجتمع‭ ‬وظروف‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬فإنما‭ ‬هي‭ ‬تصور‭ ‬كلي‭ ‬تجریدي‭ ‬ينتزعه‭ ‬الذهن‭ ‬في‭ ‬تفكيره‭ ‬الفلسفي‭. ‬

محمد‭ ‬عبدالملك‭ ‬برع‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياكة‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭ ‬أولا،‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬شكسبير‭ ‬الذي‭ ‬أوجد‭ ‬شخصيات‭ ‬مسرحياته‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬قابلهم‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والدكاكين‭ ‬والبلاطات‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬نفسها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬تراثه‭ ‬المسرحي‭ ‬يعيش‭ ‬الخلود‭ ‬والحيوية‭ ‬الدائمة،‭ ‬وقصة‭ ‬“موت‭ ‬صاحب‭ ‬العربة”‭ ‬لعبدالملك‭ ‬في‭ ‬تصوري‭ ‬تراث‭ ‬جليل‭ ‬للإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬والنموذج‭ ‬الأعلى‭ ‬لوصف‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭.‬