الفلسطينيون وصفقة القرن

| عبدالنبي الشعلة

دعونا‭ ‬نؤكد‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬ثمة‭ ‬فلسطيني‭ ‬أو‭ ‬عربي‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬بضمير‭ ‬حي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بضمير‭ ‬ميت‭ ‬يعتقد‭ ‬بأن‭ ‬صفقة‭ ‬أو‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬عنها‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الحياد‭ ‬أو‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬أو‭ ‬الإنصاف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفلسطينيين‭.‬

الصفقة‭ ‬فيها‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬انحياز‭ ‬تام‭ ‬للموقف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ومضمونها‭ ‬يعكس‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬محاولة‭ ‬لتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومصادرة‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الشرعية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬استحقاقاتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والأمنية‭ ‬المجحفة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعرب‭ ‬والفلسطينيين‭.‬

إن‭ ‬الصفقة‭ ‬تتضمن‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬وتبقي‭ ‬على‭ ‬القدس‭ ‬موحدة‭ ‬وعاصمة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وحدها،‭ ‬مع‭ ‬رفض‭ ‬عودة‭ ‬اللاجئين‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬الثابت‭ ‬المطالب‭ ‬بحل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭.‬

هذه‭ ‬الخطة‭ ‬بمضامينها‭ ‬المجحفة‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وتعطيه‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬بعيدة‭ ‬جدًا‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬العادل،‭ ‬ولا‭ ‬تصلح‭ ‬إطلاقًا‭ ‬كآلية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬عليه،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يلوم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عندما‭ ‬يرفضون‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭. ‬السؤال‭ ‬هنا‭ ‬حول‭ ‬الأسلوب؛‭ ‬لماذا‭ ‬تسرع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ورفضوها‭ ‬علنًا‭ ‬وبكل‭ ‬صلابة‭ ‬وصرامة‭ ‬فور‭ ‬إعلانها‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬تفاصيلها؟

إن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المشروع‭ ‬بل‭ ‬المطلوب‭ ‬للحنكة‭ ‬والدهاء‭ ‬السياسي‭ ‬يقتضي‭ ‬عدم‭ ‬التفريط‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬اللعبة‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬“شعرة‭ ‬معاوية”‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بكل‭ ‬أسباب‭ ‬الكر‭ ‬والفر‭.‬

أليست‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬رغم‭ ‬سوئها‭ ‬تهيئ‭ ‬فرصة‭ ‬مطلوبة‭ ‬لإجراء‭ ‬مفاوضات‭ ‬وإحياء‭ ‬الحوار‭ ‬وإخراج‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬مستنقع‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬الركود‭ ‬والجمود‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها؟

أليس‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬الخطة‭ ‬السقف‭ ‬الأعلى‭ ‬لمصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأغراض‭ ‬سياسية‭ ‬وانتخابية،‭ ‬وإنه‭ ‬بشغفه‭ ‬المعهود‭ ‬للمساومة‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتخفيض‭ ‬هذا‭ ‬السقف‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المباحثات،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬اختراقات‭ ‬ومنجزات‭ ‬وانتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬على‭ ‬الأبواب؟‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬فوق‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬وضعوا‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬درسوا‭ ‬عقليتنا،‭ ‬ويدركون‭ ‬أسلوب‭ ‬ردود‭ ‬فعلنا‭ ‬المتسرعة؛‭ ‬فوضعوها‭ ‬وصاغوها‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬أو‭ ‬يجبر‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬رفضها،‭ ‬مع‭ ‬قناعتهم‭ ‬بأنهم‭ ‬سيرفضونها‭ ‬بأسلوبهم‭ ‬المعتاد؛‭ ‬أي‭ ‬فور‭ ‬طرحها‭ ‬وقبل‭ ‬الإطلاع‭ ‬على‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وبتسرع‭ ‬وتشنج‭ ‬بحيث‭ ‬يظهرهم‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬وكأنهم‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬السلام‭ ‬بجدية‭ ‬ولا‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬ويضيع‭ ‬فرص‭ ‬تحقيقه،‭ ‬ويرفض‭ ‬دون‭ ‬تروي‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭ ‬والخطط‭ ‬والمبادرات،‭ ‬فهل‭ ‬وقعت‭ ‬الفريسة‭ ‬في‭ ‬الفخ؟

كان‭ ‬بإمكان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬يعلنوا‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬قبولهم‭ ‬للخطة‭ ‬بقوالبها‭ ‬ومضامينها‭ ‬المعلنة،‭ ‬لكنهم‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬تفاصيلها‭ ‬ودراستها،‭ ‬ويعلنون‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬تامة‭ ‬بعدالة‭ ‬قضيتهم،‭ ‬ويظهرون‭ ‬حسن‭ ‬نواياهم‭ ‬واستعدادهم‭ ‬لمناقشتها‭ ‬مع‭ ‬احتفاظهم‭ ‬بحقهم‭ ‬في‭ ‬رفضها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬توفير‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭ ‬المشروعة‭. ‬إن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الاستعداد‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬لمناقشة‭ ‬الخطة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬قبولها‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬تخلي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭.‬

وعلى‭ ‬مائدة‭ ‬المفاوضات‭ ‬يمكن‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬فساد‭ ‬الصفقة‭ ‬وتعرية‭ ‬عوارها‭ ‬أمام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي،‭ ‬وإبداء‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ ‬وتحفظاتهم،‭ ‬وتقديم‭ ‬نسختهم‭ ‬المعدلة‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬المختلفة‭ ‬عنها،‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحوار‭ ‬على‭ ‬الصعود‭ ‬بالمطالب‭ ‬وطرح‭ ‬البدائل،‭ ‬وإدخال‭ ‬التعديلات،‭ ‬وإلغاء‭ ‬بنود،‭ ‬والمناورة‭ ‬والتكتيك،‭ ‬والاستعانة‭ ‬بدعم‭ ‬وإسناد‭ ‬الأشقاء‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬وحشد‭ ‬التأييد‭ ‬لمواقفهم‭ ‬عربيًا‭ ‬ودوليا،‭ ‬فإذا‭ ‬فشلت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬يمكنهم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬رفضها،‭ ‬عندها‭ ‬سيتفهم‭ ‬العالم‭ ‬موقفهم‭ ‬ويقدره‭.‬

إن‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطة‭ ‬ورفضها‭ ‬وإسقاطها‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات،‭ ‬وفي‭ ‬أروقة‭ ‬وقاعات‭ ‬الاجتماعات‭ ‬وبعد‭ ‬استنفاد‭ ‬الوسائل‭ ‬كافة‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تحديد‭ ‬المواقف‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬المصيرية‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مقارنة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطروح‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬متاح‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬وخيارات‭ ‬أخرى،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬البدائل‭ ‬أو‭ ‬الخيارات‭ ‬المتوفرة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انسداد‭ ‬الأفق‭ ‬السياسي‭ ‬وغياب‭ ‬التوافق‭ ‬والإجماع‭ ‬بينهم،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬التشرذم‭ ‬والشلل‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مثل‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا‭ ‬ولبنان،‭ ‬وانشغال‭ ‬الباقي‭ ‬منها‭ ‬بخلافات‭ ‬حادة‭ ‬بينها‭ ‬وبمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬والأخطار‭ ‬التي‭ ‬تحدق‭ ‬بها؟‭ ‬إن‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬والمشهد‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬يشجعان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بالمواقف‭ ‬المتشددة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بالمواقف‭ ‬المبدئية،‭ ‬ولا‭ ‬يوفران‭ ‬لهم‭ ‬الأرضية‭ ‬الصالحة‭ ‬والمساحة‭ ‬الكافية‭ ‬المطلوبة‭ ‬لإدارة‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حقوقهم‭ ‬المشروعة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬منها،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬المثخن‭ ‬بالجراح‭ ‬أصبح‭ ‬عاجزا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬الأساليب‭ ‬والمفردات‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الاختلافات‭ ‬السائدة‭ ‬بينهم‭. ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الشارع‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬منه‭ ‬تمل‭ ‬وتيأس‭ ‬وتتعب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭.‬

إن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أصبحت‭ ‬شائكة‭ ‬وشديدة‭ ‬التعقيد‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الحنكة‭ ‬والصبر‭ ‬والروية‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬المرونة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬وتحريك‭ ‬كل‭ ‬المفاتيح‭ ‬والأدوات‭ ‬قبل‭ ‬غلق‭ ‬الأبواب،‭ ‬وبحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬منفذ‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ضيقًا‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬والتفكك‭ ‬والتشرذم‭.‬

إن‭ ‬لدينا‭ ‬تجارب‭ ‬مؤلمة‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬المبادرات‭ ‬والاقتراحات‭ ‬والمشاريع‭ ‬والخطط‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭: ‬رفض‭ ‬أشقاؤنا‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬ورفضنا‭ ‬نحن‭ ‬معهم،‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الانفعال‭ ‬والامتعاض‭ ‬والتشنج،‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لتقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1947‭ ‬والقاضي‭ ‬بإعطاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬42‭.‬3‭ % ‬من‭ ‬كامل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ووضع‭ ‬القدس‭ ‬وبيت‭ ‬لحم‭ ‬والأراضي‭ ‬المجاورة‭ ‬تحت‭ ‬وصاية‭ ‬دولية،‭ ‬وكلنا‭ ‬يقول‭ ‬الآن‭ ‬يا‭ ‬ليتنا‭ ‬قبلنا‭ ‬به،‭ ‬بينما‭ ‬قبل‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬القرار‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬طموحاتهم‭ ‬أو‭ ‬أطماعهم‭ ‬بدولة‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬النهر؛‭ ‬قبلوه‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬“خذ‭ ‬وطالب”‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فقررنا‭ ‬قتالهم‭ ‬وإخراجهم‭ ‬وإلقاءهم‭ ‬في‭ ‬البحر؛‭ ‬وكلنا‭ ‬أيضًا‭ ‬يعرف‭ ‬النتيجة‭! ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬هزيمة‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬حصل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬خصصته‭ ‬لهم‭.‬

ورفضنا‭ ‬أيضًا‭ ‬مبادرة‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬الراحل‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة،‭ ‬أو‭ ‬مشروعه‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1965‭ ‬ودعا‭ ‬فيه‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬قبول‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم،‭ ‬واتِّباع‭ ‬سياسة‭ ‬المراحل،‭ ‬والأخذ‭ ‬بأسلوب‭ ‬“خذ‭ ‬وطالب”‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬آمال‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬فأقمنا‭ ‬الدنيا‭ ‬عليه‭ ‬ولم‭ ‬نقعدها،‭ ‬ورفضنا‭ ‬مشروعه‭ ‬واتهمناه‭ ‬بالعمالة‭ ‬واعتبرنا‭ ‬مبادرته‭ ‬أكبر‭ ‬خيانة‭ ‬وأكبر‭ ‬تفريط‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وكرامة‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬وليتنا‭ ‬استمعنا‭ ‬إليه‭ ‬ولم‭ ‬نضيع‭ ‬تلك‭ ‬الفرصة‭ ‬أيضًا‭.‬

وجاء‭ ‬دور‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬الذي‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬اتفاقية‭ ‬“كامب‭ ‬ديفيد”‭ ‬قبول‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بالشروع‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لإنشاء‭ ‬منطقة‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬كمرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬لتنتهي‭ ‬بإنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬ونصت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬على‭ ‬التطبيق‭ ‬الكامل‭ ‬لقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬رقم‭ ‬242‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبتشجيع‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬رفضت‭ ‬الحضور‭ ‬إلى‭ ‬“مؤتمر‭ ‬مينا‭ ‬هاوس‭ ‬للسلام”‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬1977‭ ‬لمناقشة‭ ‬قضية‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬وشاركت‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبهذا‭ ‬الرفض‭ ‬والمقاطعة‭ ‬انقطع‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬تقدم‭ ‬ملموس‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

لقد‭ ‬نجح‭ ‬السادات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬استرداد‭ ‬كل‭ ‬شبر‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬احتلتها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فقد‭ ‬حاربناه‭ ‬وقاطعناه‭ ‬وشتمناه‭ ‬ووصمناه‭ ‬بالتهم‭ ‬المعلبة‭ ‬الجاهزة‭ ‬مثل‭ ‬العمالة‭ ‬والخيانة،‭ ‬وشكلنا‭ ‬“جبهة‭ ‬الرفض”‭ ‬لمواجهته،‭ ‬وسحبنا‭ ‬سفراءنا‭ ‬من‭ ‬عاصمته،‭ ‬وعلقنا‭ ‬عضوية‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬جامعتنا‭ ‬العربية‭ ‬المريضة‭ ‬التي‭ ‬نقلناها‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬عاصمة‭ ‬الرئيس‭ ‬بورقيبة؛‭ ‬فيا‭ ‬لحكمة‭ ‬أو‭ ‬سخرية‭ ‬الأقدار‭!‬

لكننا‭ ‬لم‭ ‬نتعلم‭ ‬الدرس‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭.‬