معرض القاهرة وسعر الكتاب العربي في البحرين

| رضي السماك

قضيت‭ ‬مؤخراً‭ ‬أسبوعاً‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬لحضور‭ ‬معرض‭ ‬القاهرة‭ ‬للكتاب،‭ ‬كما‭ ‬اغتنمت‭ ‬الفرصة‭ ‬لقضاء‭ ‬ليال‭ ‬ثقافية‭ ‬وفنية‭ ‬ممتعة‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا،‭ ‬وهذه‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬للمعرض‭ ‬بعد‭ ‬نقله‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬نصر‭ ‬إلى‭ ‬التجمع‭ ‬الخامس‭ ‬إحدى‭ ‬ضواحي‭ ‬القاهرة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وأحسبُ‭ ‬من‭ ‬تعوّد‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬الأول‭ ‬بحاجة‭ ‬لوقت‭ ‬للتأقلم‭ ‬مع‭ ‬المكان‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬نجاحاً‭ ‬مشهوداً،‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬فترته‭ (‬أثناء‭ ‬إجازة‭ ‬الطلبة‭ ‬الربيعية‭)‬،‭ ‬وإن‭ ‬في‭ ‬التنظيم،‭ ‬وإن‭ ‬في‭ ‬الإقبال‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الزائرين‭ ‬حسب‭ ‬إحصاءات‭ ‬الجهة‭ ‬المنظِمة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬زائر،‭ ‬وإن‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬اليومية‭ ‬من‭ ‬ندوات‭ ‬ومحاضرات‭ ‬وحفلات‭ ‬تكريم‭ ‬لشخصيات‭ ‬ثقافية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لزيارات‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭ ‬الدراسية‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬عدد‭ ‬الزائرين،‭ ‬فإن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬القيّمة‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬المملوكة‭ ‬للقطاع‭ ‬العام‭ ‬بأسعار‭ ‬زهيدة‭ ‬ساهم‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬الإقبال‭ ‬الكبير،‭ ‬وحتى‭ ‬أجنحة‭ ‬أغلب‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العربية‭ ‬الشهيرة،‭ ‬خصوصا‭ ‬اللبنانية‭ ‬والسورية‭ ‬والعراقية،‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬أسعارها‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬المصرية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعرض‭ ‬نسب‭ ‬خصومات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬البحرين،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ليست‭ ‬تحت‭ ‬متناول‭ ‬شريحة‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬الأعرض‭ ‬اتساعاً‭.‬

وما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬للمثقف‭ ‬الزائر‭ ‬البحريني‭ ‬للمعرض‭ ‬البون‭ ‬الشاسع‭ ‬غير‭ ‬المفهوم‭ ‬في‭ ‬تسعير‭ ‬الكتاب‭ ‬المصري‭ ‬والعربي،‭ ‬سواء‭ ‬المصدر‭ ‬لسوق‭ ‬البحرين‭ ‬أو‭ ‬المعروض‭ ‬في‭ ‬معارضها،‭ ‬فمازالت‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬مصرية‭ ‬تُقيّم‭ ‬الجنيه‭ ‬بما‭ ‬يُعادل‭ ‬دينارا‭ ‬بحرينيا‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬فلس،‭ ‬رغم‭ ‬انخفاضه‭ ‬الحاد‭ ‬مقابل‭ ‬الدينار،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العامة‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬أسعارها‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬300‭ ‬أو‭ ‬500‭ ‬فلس‭ ‬بحريني‭ ‬تباع‭ ‬بثلاثة‭ ‬وخمسة‭ ‬دنانير‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬البحرين‭ ‬ومعارض‭ ‬الكتاب،‭ ‬والحال‭ ‬كذلك‭ ‬لربما‭ ‬منذ‭ ‬الثمانينات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأسعار‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬رغم‭ ‬كثرة‭ ‬المرتجعات،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تسعيرها‭ ‬بسعر‭ ‬موحد‭ ‬لكل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الشقيقة،‭ ‬ونخشى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ثمة‭ ‬نظرة‭ ‬خاطئة‭ ‬لدى‭ ‬الجهة‭ ‬المصرية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التسعير‭ ‬بأن‭ ‬رواتب‭ ‬المثقفين‭ ‬وأسر‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬مرتفعة،‭ ‬وهذه‭ ‬النظرة‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬ملتبسة،‭ ‬والأمر‭ ‬مماثل‭ ‬حتى‭ ‬لدى‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬حيث‭ ‬أسعارها‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬القاهرة‭ ‬أقل‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬النصف‭ ‬أو‭ ‬الثلث‭ ‬عن‭ ‬أسعارها‭ ‬التي‭ ‬تعرضها‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬البحرين‭.‬

ورغم‭ ‬الأهمية‭ ‬الفائقة‭ ‬حضاريا‭ ‬وتنمويا‭ ‬للكتاب‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬الدول،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬للأسف‭ ‬غير‭ ‬خاضع‭ ‬لرقابة‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بحماية‭ ‬المستهلك‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بحيث‭ ‬يبدو‭ ‬تسعيره‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال‭ ‬خاضعا‭ ‬لمزاج‭ ‬الناشرين‭ ‬أو‭ ‬وجشع‭ ‬أغلبهم،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يُبرر‭ ‬بسبب‭ ‬سعر‭ ‬الصرف،‭ ‬أو‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الورق‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الطارئة،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فإن‭ ‬الضحية‭ ‬ليس‭ ‬المستهلك‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬المنشأ‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الفقيرة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬بأنها‭ ‬بالغة‭ ‬الثراء،‭ ‬ونعتقد‭ ‬بأنه‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لتدخل‭ ‬حازم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬الرقابية‭ ‬العربية‭ ‬المعنية‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬التلاعب‭ ‬أيا‭ ‬تكن‭ ‬نسبته‭.‬