ريشة في الهواء

نحن والآخر!

| أحمد جمعة

رغم‭ ‬الاختلاف‭ ‬الفلسفي‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مفهوم‭ ‬الجاهلية‭ ‬القديمة،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬ازدهار‭ ‬أدبي‭ ‬وثقافي،‭ ‬لكن‭ ‬لنتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭ ‬وندخل‭ ‬بصلبِ‭ ‬الموضوع،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يصادفنا‭ ‬في‭ ‬خطب‭ ‬وأحاديث‭ ‬الساسة‭ ‬والفنانين‭ ‬والأدباء‭ ‬والكتاب،‭ ‬استشهادهم‭ ‬بالغرب‭ ‬حين‭ ‬يدعمون‭ ‬آراءهم‭ ‬وخطبهم‭ ‬ويرغبون‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬إعجابهم‭ ‬بالأشياء‭ ‬التي‭ ‬يتحدثون‭ ‬عنها،‭ ‬فغالباً‭ ‬ما‭ ‬تسمع‭ ‬أو‭ ‬تقرأ‭ ‬لهؤلاء‭ ‬استشهادهم‭ ‬ببريطانيا‭ ‬أو‭ ‬فرنسا،‭ ‬أو‭ ‬أميركا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وهذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فتسمع‭ ‬مثلا‭ ‬عبارة،‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬وفي‭ ‬أميركا‭ ‬كذا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬يعالجون‭ ‬كذا،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستشهد‭ ‬بالعقل‭ ‬الغربي‭ ‬حينما‭ ‬يريد‭ ‬إثبات‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬رداءة‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬وجودة‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬تراه‭ ‬يستحضر‭ ‬المقارنة،‭ ‬مثل‭ ‬قوله،‭ ‬هل‭ ‬رأيتم‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬إسبانيا؟‭ ‬هل‭ ‬شاهدتم‭ ‬النظافة‭ ‬في‭ ‬سنغافورة؟‭ ‬أرأيتم‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬روسيا؟‭ ‬هل‭ ‬قارنتم‭ ‬كيف‭ ‬عالجوا‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬كوريا؟‭ ‬وهناك‭ ‬نغمة‭ ‬أخرى،‭ ‬لماذا‭ ‬هم‭ ‬متقدمون‭ ‬في‭ ‬الرياضة؟‭ ‬لماذا‭ ‬هم‭ ‬مبدعون‭ ‬في‭ ‬المسرح؟‭ ‬لماذا‭ ‬فشلنا‭ ‬ونجحوا؟

المشكلة‭ ‬يا‭ ‬سادة،‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬العقل،‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬وهبت‭ ‬الإنسان‭ ‬ذات‭ ‬التكوين‭ ‬الفيزيائي‭ ‬ولكن‭ ‬الثقافة‭ ‬والبيئة‭ ‬والعادات‭ ‬والموروث‭ ‬والتوظيف‭ ‬العقلاني‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬مجتمعا‭ ‬يحلق‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬ومجتمعا‭ ‬يغط‭ ‬في‭ ‬الكهف،‭ ‬عقل‭ ‬يؤمن‭ ‬بالعلم‭ ‬وعقل‭ ‬يمضغ‭ ‬الخرافة،‭ ‬عقل‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬العلوم‭ ‬سلاح‭ ‬الأمم‭ ‬وعقل‭ ‬يقدس‭ ‬الخرافة،‭ ‬عندما‭ ‬تتأمل‭ ‬الصحافة‭ ‬والمسرح‭ ‬والسينما‭ ‬والمعرفة‭ ‬وطريقة‭ ‬تفكير‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتقارن‭ ‬بين‭ ‬رؤيته‭ ‬للعالم،‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬الأسباب‭ ‬وراء‭ ‬تأخرنا‭ ‬لها‭ ‬مظاهر‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬نعترف‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬فكلما‭ ‬تقدم‭ ‬العالم‭ ‬خطوة‭ ‬للأمام‭ ‬تأخرنا‭ ‬خطوات‭ ‬للوراء،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يطبع‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬صادر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم‭ ‬ملايين‭ ‬النسخ،‭ ‬وحين‭ ‬يترجم‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وفي‭ ‬نطاق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬وعشرين‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬وضمن‭ ‬نطاق‭ ‬360‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬لن‭ ‬تزيد‭ ‬النسخ‭ ‬المطبوعة‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬الخمسة‭ ‬آلاف‭. ‬ذلك‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬ضحالة‭ ‬القارئ‭ ‬وعلامة‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬التخلف‭ ‬وظاهرة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

إعجابنا‭ ‬بالآخر‭ ‬وتقليدنا‭ ‬له‭ ‬واستيرادنا‭ ‬ثقافته،‭ ‬ليس‭ ‬دليل‭ ‬تحضر،‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬له‭ ‬بتبادل‭ ‬الثقافات‭ ‬وتمازج‭ ‬الحضارات،‭ ‬بل‭ ‬ظاهرة‭ ‬القصور‭ ‬التي‭ ‬نعانيها‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬انتقدت‭ ‬الموروث‭ ‬والخرافة‭ ‬والميراث‭ ‬المتراكم‭ ‬للجهل،‭ ‬فإن‭ ‬أبواب‭ ‬الجحيم‭ ‬تفتح‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ذات‭ ‬البشر‭ ‬المعجبين‭ ‬والمقلدين‭ ‬والمستوردين‭ ‬للحضارات‭ ‬الغربية،‭ ‬فخذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬المنتقدين‭ ‬لظاهرة‭ ‬مكبرات‭ ‬صوت‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬نظمها‭ ‬القانون‭ ‬وحد‭ ‬من‭ ‬الانفلات‭ ‬المجنون،‭ ‬هؤلاء‭ ‬ذاتهم‭ ‬حينما‭ ‬يبتعدون‭ ‬عن‭ ‬الديار‭ ‬ويعودون‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الفرنجة‭! ‬يحدثونك‭ ‬عن‭ ‬الهدوء‭ ‬والاسترخاء،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يعجب‭ ‬بانعدام‭ ‬الضوضاء،‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هو‭ ‬الظاهرة‭ ‬الشرقية‭ ‬الأزلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬لها‭.‬

 

تنويرة‭:

‬الوحدة‭ ‬نعمة‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬مع‭ ‬الغوغاء‭.‬