نوافذ الحكمة والتنوير والإحساس بالضمير عند الأمير

| عادل عيسى المرزوق

موافقة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمبادرة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬لتخصيص‭ ‬يوم‭ ‬عالمي‭ ‬للضمير‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬إبريل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام؛‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬الإيجابي‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬شد‭ ‬انتباه‭ ‬العالم‭ ‬المتحضر،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الترقب‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬والتطوير‭ ‬التي‭ ‬تنشده‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬“17”‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬“SDGs”،‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬الجمال‭ ‬بعينين‭ ‬ويسمع‭ ‬صوت‭ ‬الحياة‭ ‬بأذنين‭ ‬ويقبض‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬بيدين،‭ ‬إنه‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬بقاعدة‭ ‬اللحظة،‭ ‬وقاعدة‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬وقاعدة‭ ‬الاتصال،‭ ‬وقاعدة‭ ‬الكينونة،‭ ‬وقاعدة‭ ‬السبب‭ ‬والنتيجة؛‭ ‬ذات‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬الزماني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬كسره‭ ‬ولا‭ ‬فصله‭ ‬ولا‭ ‬تحييده‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬الجذب‭ ‬الفكري‭ ‬المرتبط‭ ‬بالزمان،‭ ‬فلكل‭ ‬نتيجة‭ ‬سبب‭ ‬مرتبط‭ ‬بها‭ ‬ومؤثر‭ ‬عليها،‭ ‬والحاضر‭ ‬مرتبط‭ ‬بالماضي‭ ‬ومنجذب‭ ‬إليه،‭ ‬والمستقبل‭ ‬ينحو‭ ‬ذات‭ ‬المنحى‭ ‬الانجذابي‭ ‬للحاضر،‭ ‬وللضمير‭ ‬موقع‭ ‬بين‭ ‬الزمانين؛‭ ‬يجسّد‭ ‬كينونة‭ ‬واستدامة‭ ‬الارتباط‭ ‬واستقامته،‭ ‬ويجول‭ ‬بين‭ ‬الأزمة،‭ ‬ينخفض‭ ‬تارة‭ ‬ويرتفع‭ ‬أخرى‭ ‬ويستقر‭ ‬ثباتًا‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬يدعو‭ ‬ليوم‭ ‬للضمير؛‭ ‬فهو‭ ‬الضمير‭ ‬وعين‭ ‬الضمير‭ ‬وللضمير‭ ‬معنى،‭ ‬وهو‭ ‬الأب‭ ‬الأمير‭ ‬وللقلوب‭ ‬المحبة‭ ‬أسير،‭ ‬وهو‭ ‬الصوت‭ ‬الحاني‭ ‬والصدى‭ ‬اللامتناهي،‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬اليد‭ ‬المبسوطة‭ ‬والأنامل‭ ‬الممدودة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الأوتار‭ ‬المشدودة،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬العقول‭ ‬المفكرة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬نوافذ‭ ‬الحكمة‭ ‬والفلسفة‭ ‬والثقافة‭ ‬والآمال،‭ ‬والقدرة‭ ‬النافذة‭ ‬لصنع‭ ‬الجمال‭ ‬والكمال‭ ‬للأجيال،‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬“الإحساس”‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتستمد‭ ‬قوتها‭ ‬وصمودها‭ ‬بإيمانها‭ ‬بقيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬واستحقاقه‭ ‬للرفاهية‭ ‬وللعيش‭ ‬الرغيد‭ ‬بأمن‭ ‬وأمان،‭ ‬وأن‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬تكمن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جودة‭ ‬التفكير‭ ‬بمعنى‭ ‬الحياة‭ ‬وديمومة‭ ‬الحياة‭ ‬وصفاء‭ ‬الحياة‭.‬

‭ ‬وللضمير‭ ‬الحي‭ ‬القدرة‭ ‬السحرية‭ ‬لتوجيه‭ ‬التفكير‭ ‬للطريق‭ ‬الصحيح،‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعقد‭ ‬الشائكة‭ ‬وتبسيطها‭ ‬ووضع‭ ‬الأجوبة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬“التفكير‭ ‬بطريقة‭ ‬مغايرة”‭ ‬كما‭ ‬يذكرها‭ ‬الكاتب‭ ‬مايكل‭ ‬هيبيل‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬ومختزلها‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬“‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬الأفضل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء؟”‭ ‬مستعينًا‭ ‬باستبدال‭ ‬“لماذا”‭ ‬بـ‭ ‬“كيف”‭ ‬بما‭ ‬تُسمى‭ ‬الأسئلة‭ ‬الذكية‭ ‬المُوَجِّهَة‭ ‬للسؤال‭ ‬الصحيح،‭ ‬المعنية‭ ‬بشقلبة‭ ‬وقولبة‭ ‬التفكير‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يقلب‭ ‬المواقف‭ ‬السلبية‭ ‬ويستحث‭ ‬التفكير‭ ‬وخروج‭ ‬الأفكار‭ ‬الإيجابية‭ ‬إذا‭ ‬ارتبط‭ ‬بالضمير‭.‬

“فكيف”‭ ‬يُسَخِّر‭ ‬الضمير‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬تقبل‭ ‬الأفكار‭ ‬التغييرية‭ ‬التطويرية‭ ‬المستحدثة‭ ‬والانجذاب‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لكسر‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصامتة‭ ‬المعقدة؟

‭ ‬“دستوت‭ ‬دي‭ ‬تراسي”‭ ‬الفيلسوف‭ ‬وعالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفرنسي‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬استحدث‭ ‬مصطلح‭ ‬“أيديولوجيا”‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والتحول‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الإقطاعي‭ ‬للرأسمالي،‭ ‬وقد‭ ‬حمل‭ ‬المصطلح‭ ‬معنى‭ ‬علم‭ ‬الأفكار‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬التحليل‭ ‬للعقل‭ ‬البشري‭ ‬امتدادًا‭ ‬لمعتقد‭ ‬“الإحساس‭ ‬هو‭ ‬أصل‭ ‬جميع‭ ‬الأفكار”‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬“جون‭ ‬لوك”‭ ‬الفيلسوف‭ ‬التجريبي‭ ‬والمفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الإنجليزي‭. ‬

‭ ‬وتُعرَّف‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬حديثًا‭ ‬لدى‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الكَنَدي‭ ‬“غاي‭ ‬روشيه”‭ ‬بأنها‭ ‬نسق‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬والأحكام‭ ‬الظاهرة‭ ‬والمنتظمة‭ ‬عمومًا،‭ ‬ويُستخدم‭ ‬المصطلح‭ ‬ليصف‭ ‬وضع‭ ‬مجموعة‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تستوحي‭ ‬حياتها‭ ‬ونمط‭ ‬حياتها‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬وقيم‭ ‬وثقافة‭ ‬وفلسفة‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬تاريخي‭ ‬مرتبط‭ ‬بأفعال‭ ‬زمانية‭ ‬ومكانية‭.‬

‭ ‬وحينما‭ ‬يأتي‭ ‬يرتبط‭ ‬الضمير‭ ‬بالأيديولوجيا‭ ‬ويتغلغل‭ ‬فيها؛‭ ‬فسيُظْهِر‭ ‬بريق‭ ‬أفكارها‭ ‬من‭ ‬متضادها‭ ‬الاسودادي‭ ‬وسيعطيها‭ ‬القدرة‭ ‬والقوة‭ ‬للبروز‭ ‬بشفافية‭ ‬و”الإحساس”‭ ‬الروحي‭ ‬الإنساني‭ ‬بأريحية،‭ ‬متوافقًا‭ ‬ضمنيًّا‭ ‬مع‭ ‬نظرية‭ ‬جون‭ ‬لوك‭ ‬“الإحساس”‭ ‬أصل‭ ‬جميع‭ ‬الأفكار،‭ ‬فينمو‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بتسارع‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬“الإحساس”‭ ‬الموحّد،‭ ‬ليتقبل‭ ‬التغيير‭ ‬والانجذاب‭ ‬للتغيير‭ ‬والتطوير‭ ‬بسبب‭ ‬تأثير‭ ‬الضمير‭.‬

‭ ‬فبوجود‭ ‬الضمير‭ ‬و”الإحساس”‭ ‬بقيمة‭ ‬الضمير‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬الأفكار‭ ‬المؤثرة‭ ‬إيجابًا‭ ‬على‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الصامتة،‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬جودة‭ ‬الحياة،‭ ‬كأحد‭ ‬الروافد‭ ‬الأساسية‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬تقويم‭ ‬وتقييم‭ ‬معاني‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وقد‭ ‬يتأسس‭ ‬مستقبلا‭ ‬مؤشر‭ ‬إنساني‭ ‬اجتماعي‭ ‬لقياس‭ ‬قيمة‭ ‬الضمير‭ ‬وجودة‭ ‬الضمير‭ ‬وأثر‭ ‬الضمير‭ ‬و”الإحساس”‭ ‬بالضمير‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أو‭ ‬“تحت‭ ‬هيئة‭ ‬وطنية‭ ‬مفترضة‭ ‬تتأسس‭ ‬لقياس‭ ‬الأثر‭ ‬الاجتماعي”،‭ ‬ليكون‭ ‬أيقونة‭ ‬من‭ ‬أيقونات‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للضمير‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬ضمير‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭.‬

وسيُعطي‭ ‬يوم‭ ‬الضمير‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬القدرة‭ ‬الإضافية‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬نتائج‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية،‭ ‬وسيصنع‭ ‬الفرق‭ ‬التمييزي‭ ‬بين‭ ‬الأيام‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التكاملية‭ ‬التقييمية‭ ‬والقياسية‭ ‬والتأثيرية‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬الأيام،‭ ‬كون‭ ‬الضمير‭ ‬هو‭ ‬الروح‭ ‬المحركة‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأيام‭ ‬العالمية،‭ ‬والمُطَوِّقة‭ ‬لها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬كينونتها‭ ‬ونزاهتها‭ ‬وأهدافها‭ ‬الإنسانية‭ ‬ضد‭ ‬الانهزام‭ ‬والخنوع‭ ‬للفشل‭ ‬واليأس‭ ‬والفساد‭.‬