إيران وصفقة القرن

| فراج العقلا

كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬تستثمر‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الشعارات‭ ‬والمزايدات،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬شعار‭ ‬تاجرت‭ ‬به‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فإيران‭ (‬وفي‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬دخلت‭ ‬تركيا‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬الخط‭) ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تتاجر‭ ‬بشعارات‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬تعرف‭ ‬تماماً‭ ‬أنها‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬لإثبات‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المزايدة‭ ‬وكسب‭ ‬الأتباع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬رفع‭ ‬الشعارات‭ ‬الطنانة‭.‬‭ ‬

وحتى‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬منذ‭ ‬إبرام‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2015‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجموعة‭ ‬5‭ + ‬1‭ ‬تغافل‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬التخريبي‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬يشمله‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬منح‭ ‬إيران‭ ‬إدماجا‭ ‬مجانياً‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وفك‭ ‬عزلتها،‭ ‬وجنت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬فوائد‭ ‬كثيرة‭ ‬حيث‭ ‬عادت‭ ‬لها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أموالها‭ ‬المجمدة‭.‬

اليوم‭ ‬مع‭ ‬حزمة‭ ‬العقوبات‭ ‬القاسية‭ ‬جداً‭ ‬إثر‭ ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وبعد‭ ‬مقتل‭ ‬أقوى‭ ‬رجل‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ومهندس‭ ‬الخراب‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني،‭ ‬تأتي‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اختبار‭ ‬قوي‭ ‬لإيران،‭ ‬ولرصد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬للدور‭ ‬الإيراني‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬المزايدات‭ ‬غير‭ ‬الخطابية،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬وكلائها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وفلسطين‭.‬

بات‭ ‬الجميع‭ ‬مدركاً‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬أكثر‭ ‬حذراً‭ ‬وخوفاً‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لمست‭ ‬جدية‭ ‬ترامب‭ ‬عقب‭ ‬مقتل‭ ‬سليماني،‭ ‬وبعد‭ ‬ردها‭ ‬الكاريكاتوري‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬سليماني،‭ ‬لهذا‭ ‬فإن‭ ‬إعلان‭ ‬ترامب‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬يوم‭ ‬28‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬أتى‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬أتي‭ ‬إليه،‭ ‬اختباراَ‭ ‬لردود‭ ‬الفعل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬على‭ ‬ضوئها‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الصفقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بوضع‭ ‬إيران،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المعطيات‭ ‬الجديدة،‭ ‬أمام‭ ‬محك‭ ‬اختبار‭ ‬جديد‭ ‬وحرج‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استوعبت‭ ‬الدرس‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

في‭ ‬تقديرنا‭ ‬إيران‭ ‬استوعبت‭ ‬الدرس‭ ‬تماماً،‭ ‬ولن‭ ‬نرى‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬أفعال‭ ‬وكلاء‭ ‬إيران‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬الأخيرة‭ ‬تمارس‭ ‬عليها‭ ‬ضغوطا‭ ‬سواءً‭ ‬كانت‭ ‬داخلية‭ ‬أم‭ ‬خارجية‭. ‬ولن‭ ‬تمر‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬عبثية‭ ‬تجني‭ ‬ثمارها‭ ‬إيران‭ ‬وتجلب‭ ‬الضرر‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬البالغ‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية‭ ‬للبنان‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬خضوع‭ ‬لبنان‭ ‬لإشراف‭ ‬قرار‭ ‬أممي‭.‬

بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬ربما‭ ‬تعمل‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬دعائية‭ ‬للفت‭ ‬الأنظار‭ ‬لكنها‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مؤتمرات‭ ‬أو‭ ‬مهرجانات‭ ‬خطابية،‭ ‬أو‭ ‬إلقاء‭ ‬كلمة‭ ‬للولي‭ ‬الفقيه‭ ‬خامنئي‭ ‬والسلام‭. ‬“إيلاف”‭.‬