قهوة الصباح

98.4 %

| سيد ضياء الموسوي

الناس‭ ‬ليسوا‭ ‬لعبة‭ ‬شطرنج‭ ‬على‭ ‬مسالخ‭ ‬المغامرات،‭ ‬وحياتهم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترتهن‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أسهم‭ ‬بورصات‭ ‬السياسة‭ ‬المتقلبة‭ ‬الضمير‭ ‬ارتفاعا‭ ‬وهبوطًا،‭ ‬وليسوا‭ ‬كيس‭ ‬ملاكمة‭ ‬تنزل‭ ‬فيه‭ ‬ضربا‭ ‬عندما‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تعرق‭ ‬يخفّض‭ ‬حجم‭ ‬شحوم‭ ‬متراكمة‭ ‬الخيبات‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬أحلامهم‭ ‬وفق‭ ‬بوصلة‭ ‬السياسي‭ ‬المتوحم‭ ‬على‭ ‬فقاعة‭ ‬كارزمية‭ ‬مشتهاة‭ ‬للعودة‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬ينام‭ ‬على‭ ‬أكياس‭ ‬الإرث‭ ‬التاريخي‭ ‬لآل‭ ‬الصدر‭ ‬الذين‭ ‬ارتهنوا‭ ‬حياتهم‭ ‬لخدمة‭ ‬الناس،‭ ‬لكنه‭ ‬أصبح‭ ‬أشبه‭ ‬بجنرال‭ ‬يهدد‭ ‬الناس‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬عندما‭ ‬يلبس‭ ‬عباءة‭ ‬العائلة‭ ‬نرجسية‭ ‬وغرورا‭ ‬بأبوة‭ ‬قاسية‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬الجنرال‭ ‬السادي‭ ‬وهو‭ ‬يتلذذ‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬الفقراء‭ ‬فقط؛‭ ‬لأنهم‭ ‬آمنوا‭ ‬بالحرية،‭ ‬وعدم‭ ‬لبس‭ ‬معاطفه‭ ‬المثقوبة‭ ‬بالسعال‭ ‬والنرجسية،‭ ‬بتهديدهم‭ ‬أن‭ ‬خط‭ ‬الصدر‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬فوق‭ ‬القانون،‭ ‬وفوق‭ ‬النقد‭. ‬ما‭ ‬أتعس‭ ‬المصير‭ ‬عندما‭ ‬يتسيد‭ ‬الأمة‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬مقطوع‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭  ‬ويمارس‭ ‬السياسة‭ ‬بغباء،‭ ‬فيكرر‭ ‬تكديس‭ ‬الأوجاع‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬لعواقب‭ ‬الأمور‭. ‬الدور‭ ‬السياسي‭ ‬الحكيم‭ ‬من‭ ‬يزرع‭ ‬الأمل‭ ‬بعقل‭ ‬وضمير‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الانتفاخ‭ ‬الأنوي‭. ‬

بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتضخم‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬مطبخ‭ ‬الجماهير‭ ‬طعاما‭ ‬سياسيا‭ ‬شهيا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬النتائج‭ ‬كارثية،‭ ‬لكن‭ ‬الجماهير‭ ‬لا‭ ‬تكتشف‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬تفيق‭ ‬من‭ ‬الغيبوبة‭ ‬الدينية،‭ ‬وخلو‭ ‬دمها‭ ‬من‭ ‬مخدرات‭ ‬الخطب‭ ‬الكارثية،‭ ‬فتكتشف‭ ‬أن‭ ‬دم‭ ‬أبنائها‭ ‬أصبحت‭ ‬بسبب‭ ‬المغامرات‭ ‬السياسية‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬عصير‭ ‬البندورة،‭ ‬وأصبح‭ ‬موتهم‭ ‬وسجنهم‭ ‬وغربتهم‭ ‬في‭ ‬المنافي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬دراهم‭ ‬معدودة‭ ‬تدفع‭ ‬صدقة‭ ‬عن‭ ‬السياسي‭ ‬المتهور‭ ‬الذي‭ ‬يوفر‭ ‬نفسه‭ ‬وأولاده‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الملايين‭ ‬الذين‭ ‬يذهبون‭ ‬هدرا‭ ‬نتيجة‭ ‬قرارات‭ ‬أنوية‭ ‬مبسطة‭ ‬وسطحية‭ ‬يراها‭ ‬مجرد‭ ‬هواء‭ ‬ينفخ‭ ‬غبارا‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬الفقه‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتطابق‭ ‬معضمها‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭. ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يوجعني‭ ‬مشاهدة‭ ‬أم‭ ‬تموت‭ ‬حزنا‭ ‬على‭ ‬ولدها‭ ‬أو‭ ‬شاب‭ ‬تذبل‭ ‬زهرة‭ ‬عمره‭ ‬لسنين‭ ‬يذهب‭ ‬ضحية‭ ‬خطاب‭ ‬غير‭ ‬مدروس‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬سوء‭ ‬موقف‭ ‬لقرار‭ ‬سياسي‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أبعاده‭. ‬

ليس‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬ولا‭ ‬الضمير‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬أبناءه‭ ‬ويدخلهم‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الجامعات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يزج‭ ‬بالناس‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬الحروب‭ ‬والمحارق‭ ‬السياسية،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يقول‭ ‬بين‭ ‬حاشيته‭ ‬بعد‭ ‬سنين‭ ‬طوال‭ (‬أعتقد‭ ‬كنت‭ ‬مخطأ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭). ‬كثير‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أنهم‭ ‬زجوا‭ ‬في‭ ‬محرقة‭ ‬شعارات‭ ‬جنونية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬بإمكانهم‭ ‬ممارسة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬البحرينية‭ ‬وفق‭ ‬الأطر‭ ‬القانونية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬العناد،‭ ‬وثقافة‭ ‬الارتطام‭ ‬بالجدار‭. ‬التاريخ‭ ‬يتكرر‭ ‬بخيباته،‭ ‬فبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وقفت‭ ‬أم‭ ‬مسكينة‭ ‬تتصفح‭ ‬وجوه‭ ‬العائدين‭ ‬لعلها‭ ‬تلمح‭ ‬ابنها‭ ‬راجعا‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬فأوقفت‭ ‬أحدهم‭ ‬تسأله‭: ‬هذه‭ ‬صورة‭ ‬ابني‭ ‬ياسيدي،‭ ‬هل‭ ‬تعرفه‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يعد؟‭ ‬فالتفت‭ ‬لأصحابه‭ ‬قائلا‭: (‬مسكينة‭ ‬هذه‭ ‬الأم،‭ ‬لا‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬قادتها‭). ‬دائما‭ ‬أحمل‭ ‬الأمل‭ ‬على‭ ‬ناصية‭ ‬الحلم‭ ‬أن‭ ‬تعي‭ ‬كل‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حذرة‭ ‬من‭ ‬تمساح‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يبتلعهم،‭ ‬فتتحول‭ ‬جلودهم‭ ‬إلى‭ ‬حقائب‭ ‬جلدية‭ ‬ممتلئة‭ ‬بأوراق‭ ‬المساومات‭ ‬لذات‭ ‬الساسة‭ ‬يوم‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬التفاوض‭.‬

من‭ ‬يقرأ‭ ‬كتاب‭ ‬الأمير‭ ‬لمكيافيللي‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬تمسك‭ ‬بزمام‭ ‬القوة‭ ‬لروبرت‭ ‬كرين،‭ ‬ولعشرات‭ ‬الكتب‭ ‬السياسية‭ ‬كيف‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬ذهاب‭ ‬الناس‭ ‬ضحايا‭ ‬للمحارق‭ ‬السياسية،‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬التوازن‭ ‬والوسطية‭ ‬وسياسة‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‭ ‬هي‭ ‬الأفضل‭ ‬للأوطان‭ ‬وللشعوب‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬تاريخ‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬حيث‭ ‬يصادف‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬بنسبة‭ ‬98‭.‬4‭ % ‬يوم‭ ‬مبارك‭ ‬للبحرين،‭ ‬وسيبقى‭ ‬يغذي‭ ‬الذاكرة‭ ‬بأجمل‭ ‬الأيام،‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬والبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬بالعقل‭ ‬والوعي‭ ‬والوطنية‭ ‬ودعم‭ ‬الوطن‭ ‬قيادة‭ ‬وشعبا‭ ‬طريق‭ ‬نحو‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬جمالًا‭ ‬وازدهارا؛‭ ‬لذلك‭ ‬أدعو‭ ‬كل‭ ‬بحريني‭ ‬بالاحتفال‭ ‬بهذا‭ ‬اليوم‭ ‬ورفع‭ ‬علم‭ ‬البحرين‭ ‬علوًا‭ ‬وأفقًا‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭. ‬استنسخوا‭ ‬ذات‭ ‬الفرحة‭ ‬الكبيرة‭ ‬والانتصار‭ ‬الكبير‭ ‬بفوز‭ ‬منتخبنا‭ ‬بكأس‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬أغلى‭ ‬المناسبات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وسترون‭ ‬كيف‭ ‬ستكون‭ ‬البحرين‭ ‬أكثر‭ ‬ابتهاجا‭ ‬وجمالًا‭ ‬واستقرارا،‭ ‬وكيف‭ ‬أننا‭ ‬خطوة‭ ‬وراء‭ ‬خطوة‭ ‬نعزز‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أكثر‭ ‬ابتهاجا‭ ‬وجمالًا‭. ‬

وهنا‭ ‬أقدم‭ ‬كل‭ ‬الشكر‭ ‬والامتنان‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬استبدال‭ ‬بعض‭ ‬الأحكام‭ ‬بالعقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬وكيف‭ ‬عمت‭ ‬الفرحة‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬البحرين،‭ ‬فليس‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الملك‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يؤنسن‭ ‬حياة‭ ‬شعب‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬الولاء‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬واجتماعيًا‭. ‬أقول‭ ‬للناس‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬الوعي‭ ‬وارتفعت‭ ‬الوسطية‭ ‬وكنا‭ ‬حذرين‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شعارات‭ ‬خارجية‭ ‬أو‭ ‬دعوات‭ ‬والتزمنا‭ ‬المنهج‭ ‬الوسطي‭ ‬ساهمنا‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬مناخ‭ ‬آمن‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬فرح‭ ‬أكبر‭ ‬للبحرين،‭ ‬ويكون‭ ‬الفرج‭ ‬الكبير‭ ‬لوطن‭ ‬يسمو‭ ‬بالاعتدال‭ ‬والتوازن‭ ‬والوسطية‭.‬