من أين أبدأ

| زهير توفيقي

يقول‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬أغنياته‭ ‬الجميلة‭ ‬“ابتدي‭ ‬من‭ ‬اين‭ ‬الحكاية”‭.. ‬نعم‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أبدأ‭ ‬وكيف‭ ‬وبماذا؟‭ ‬أحيانًا‭ ‬ينتابني‭ ‬شعور‭ ‬غريب‭ ‬وغريب‭ ‬جدًا،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مخطئًا،‭ ‬فلا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬أسبوع‭ ‬أو‭ ‬شهر‭ ‬بالكثير‭ ‬إلا‭ ‬ونتفاجأ‭ ‬بتصريح‭ ‬غريب‭ ‬عجيب،‭ ‬وعلى‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬أن‭ ‬يعذرنا‭ ‬أحيانا‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الحسرة‭ ‬والزعل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬تصرفات‭ ‬غير‭ ‬مقبولة،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬صادرة‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬رسمية،‭ ‬أو‭ ‬ممن‭ ‬يكون‭ ‬محسوبا‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬بحكم‭ ‬منصبه‭ ‬الرسمي،‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬تلاقي‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬انتقادات‭ ‬واسعة‭ ‬وردود‭ ‬فعل‭ ‬قوية،‭ ‬إذا‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬ألوم‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بالرد‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تصريح‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬أو‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬احترام‭ ‬مشاعر‭ ‬المواطنين‭.‬

فهل‭ ‬يعقل‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬آنفًا‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬شخصيات‭ ‬تمثل‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬بالتصرف‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭! ‬الإنسان‭ ‬العاقل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يثمن‭ ‬كلامه‭ ‬أولا،‭ ‬ويدرسه‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النواحي،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يمثلون‭ ‬أنفسهم‭ ‬وليست‭ ‬هذه‭ ‬حرية‭ ‬شخصية،‭ ‬لأنهم‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬يتبعون‭ ‬مواقع‭ ‬عملهم،‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬غير‭ ‬محسوبين‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬العمل‭ ‬الرسمية‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬قوية،‭ ‬بل‭ ‬سيتجاهلها‭ ‬الناس‭ ‬لأنهم‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬لا‭ ‬يعنون‭ ‬شيئا‭.‬

هؤلاء‭ ‬سيكونون‭ ‬عاجلا‭ ‬أم‭ ‬آجلا‭ ‬خارج‭ ‬مناصبهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تقاعدهم‭ ‬أو‭ ‬انتهاء‭ ‬الدورة‭ ‬الانتخابية‭ ‬وعدم‭ ‬فوزهم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬يبقى‭ ‬لهم‭ ‬هو‭ ‬حب‭ ‬واحترام‭ ‬وتقدير‭ ‬الناس‭ ‬ولن‭ ‬يعلموا‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يفقدونه‭. ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬المعروف‭ (‬لسانك‭ ‬حصانك‭ ‬إن‭ ‬صنته‭ ‬صانك‭ ‬وإن‭ ‬خنته‭ ‬خانك‭)‬،‭ ‬فالإنسان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬متى‭ ‬يدلي‭ ‬بدلوه،‭ ‬وماذا‭ ‬يقول‭ ‬وأية‭ ‬رسالة‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يوصلها‭ ‬للجمهور‭ ‬الواعي‭ ‬والمثقف‭ ‬والذي‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬احترام‭ ‬وتقدير‭.‬

هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬نقاء‭ ‬معدنه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬وبجميع‭ ‬أطيافه،‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬وقفته‭ ‬وفرحته‭ ‬وخروجه‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬والسهر‭ ‬حتى‭ ‬طلوع‭ ‬الشمس‭ ‬للاحتفال‭ ‬بفوز‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬بكأس‭ ‬الخليج،‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الأبي‭ ‬وقف‭ ‬خلف‭ ‬قيادته‭ ‬وقال‭ ‬كلمته،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬ولاءه‭ ‬وانتماءه‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي،‭ ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬جزاء‭ ‬الناس؟‭!.‬