ركاكة الشراكة الروسية التركية الإيرانية في سوريا بأبعادها الإقليمية (2)

| راغدة درغام

أولى‭ ‬العواصم‭ ‬التي‭ ‬تدقّق‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خياراتها‭ ‬هي‭ ‬طهران‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬احتمال‭ ‬عزل‭ ‬ترامب‭ ‬ورسمت‭ ‬سياساتها‭ ‬على‭ ‬تمنياتها‭ ‬بعودة‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭. ‬الآن،‭ ‬الأرجح‭ ‬ألا‭ ‬ينتصر‭ ‬منطق‭ ‬التيار‭ ‬المتشدّد‭ ‬المتمثّل‭ ‬في‭ ‬“الحرس‭ ‬الثوري”‭ ‬و”فيلق‭ ‬القدس”‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بدعم‭ ‬مرشد‭ ‬الجمهورية‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬فالجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬وضعها‭ ‬الداخلي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬ولذلك‭ ‬تختار‭ ‬التهدئة‭ ‬المرحلية‭ ‬لدراسة‭ ‬الخيارات‭ ‬المتاحة‭ ‬وتدعو‭ ‬شركاءها‭ ‬مثل‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬وتيرة‭ ‬التصعيد‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التصعيد‭ ‬اللفظي‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬تعهد‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬بإعادة‭ ‬الأميركيين‭ ‬“أفقياً”‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬عبر‭ ‬النُعوش‭.‬

طهران‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬احتواء‭ ‬الضرر‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬اللبنانية‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬سلطتها‭ ‬هناك‭ ‬لأن‭ ‬الساحة‭ ‬العراقية‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬سلطتها‭ ‬عبر‭ ‬الانفلات‭ ‬الأمني‭ ‬وعبر‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬الإيرانية‭ ‬للعراق،‭ ‬ولجأت‭ ‬إلى‭ ‬القمع‭ ‬كوسيلة‭ ‬لاحتواء‭ ‬الثورة‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وستفعل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬إذا‭ ‬اضطرت،‭ ‬لكنها‭ ‬تفضّل‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬الثورة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بوسائل‭ ‬أخرى‭ ‬تجنّباً‭ ‬للوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬القمع‭ ‬الذي‭ ‬سيكلّفها‭ ‬غالياً‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬مضّطر‭ ‬لقمع‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الداخلية‭ ‬عليه‭ ‬لأنها‭ ‬تهدّد‭ ‬مصير‭ ‬بقائه‭.‬

المصادر‭ ‬المقرّبة‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬أفادت‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬لصالحها‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬هوى‭ ‬“حزب‭ ‬الله”،‭ ‬وهي‭ ‬تريد‭ ‬تدعيم‭ ‬سلطة‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬على‭ ‬لبنان،‭ ‬لذلك،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الضيقة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها،‭ ‬تعتزم‭ ‬طهران‭ ‬توفير‭ ‬جرعة‭ ‬دعم‭ ‬مالية‭ ‬إلى‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬هشّاً‭ ‬وكي‭ ‬يثبّت‭ ‬قاعدته‭ ‬الشعبية،‭ ‬وقالت‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬ميزانية‭ ‬المشاريع‭ ‬الإقليمية‭ ‬الإيرانية‭ ‬اضطرت‭ ‬بطهران‭ ‬إلى‭ ‬الاقتطاع‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬اليمن‭ ‬لتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬ميزانية‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق،‭ ‬ثم‭ ‬سوريا‭.‬

القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬منشغلة‭ ‬بقراءة‭ ‬ماذا‭ ‬سيفعل‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬انتصاره‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬عزله‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬خطواته‭ ‬التالية‭ ‬نحوها‭ ‬سيما‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬هذه‭ ‬القيادة‭ ‬كفّت‭ ‬عن‭ ‬الحلم‭ ‬بإنقاذٍ‭ ‬أوروبي‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ورطة‭ ‬العقوبات‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬إصرارها‭ ‬العلني‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬أوروبا‭ ‬الفرصة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬الخطوة‭ ‬الكبرى‭ ‬بإعلان‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية‭ ‬النووية‭ ‬وربما‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬

وهي‭ ‬تعي‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬توعّدات‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وإنذاراته‭ ‬لها‭ ‬بألاّ‭ ‬تُقدِم‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تهديدات‭ ‬لفظيّة،‭ ‬إنما‭ ‬يتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬الاستعدادات‭ ‬لتنفيذها‭ ‬بإجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬بأبعد‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والحصار،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬طهران‭ ‬عن‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬فالجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬فعلاً‭ ‬مطوّقة‭ ‬أكثر‭ ‬وأعمق‭ ‬بوضوح‭ ‬أرجحية‭ ‬فوز‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بولاية‭ ‬ثانية‭ ‬كرئيس‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬أمامها‭ ‬إما‭ ‬الانتحار‭ ‬إذا‭ ‬انتصر‭ ‬التصعيد‭ ‬والانتقام‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬منطق‭ ‬النظام،‭ ‬كما‭ ‬هو‭. ‬أو‭ ‬إصلاح‭ ‬وتعديل‭ ‬ذلك‭ ‬المنطق‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تشمل‭ ‬الشق‭ ‬النووي‭ ‬والصاروخي‭ ‬وكذلك‭ ‬شق‭ ‬التوسّع‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭. ‬“إيلاف”‭.‬