ريشة في الهواء

الناس.. الشتاء

| أحمد جمعة

الأجواء‭ ‬جميلة‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بمنظر‭ ‬الغيوم‭ ‬التي‭ ‬تنذر‭ ‬بالأمطار‭ ‬من‭ ‬حينٍ‭ ‬لآخر‭ ‬والسماء‭ ‬الهادئة‭ ‬والمشعة‭ ‬بضوء‭ ‬خفيف‭ ‬تجعلنا‭ ‬ننتظر‭ ‬الأمطار‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬انتظار‭ ‬جودو‭ ‬في‭ ‬المسرحية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬الآتي‭ ‬ولا‭ ‬يأتي،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬ننتظر‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬الأمطار‭ ‬إلى‭ ‬رعود،‭ ‬لكن‭ ‬السماء‭ ‬تماطل‭ ‬في‭ ‬إشعارنا‭ ‬بأن‭ ‬الشتاء‭ ‬حلّ‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬جار‭ ‬في‭ ‬الشتوية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬الثلوج‭ ‬والصقيع‭ ‬وأخبار‭ ‬التزلج،‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬للعام‭ ‬الجديد‭ ‬نكهة،‭ ‬ومع‭ ‬انتظار‭ ‬الآتي‭ ‬ولا‭ ‬يأتي‭! ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬ذلك‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بكمية‭ ‬البرد‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬والشعور‭ ‬بالتغيير‭ ‬لنمنح‭ ‬أنفسنا‭ ‬نكهة‭ ‬من‭ ‬طعم‭ ‬الشتاء‭ ‬الذي‭ ‬يغسل‭ ‬بعض‭ ‬مشاعر‭ ‬التجمد‭ ‬التي‭ ‬حبستها‭ ‬حرارة‭ ‬الصيف‭ ‬الطويل‭ ‬وفواتير‭ ‬الكهرباء‭ ‬المرتفعة‭.‬

الشتاء‭ ‬وقد‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬العد‭ ‬العكسي‭ ‬وما‭ ‬فتئ‭ ‬يبخل‭ ‬علينا‭ ‬ببعض‭ ‬الأمطار‭ ‬وبعض‭ ‬الغيوم‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬لنا‭ ‬الشعور‭ ‬بنكهة‭ ‬الشتاء‭ ‬وتمنحنا‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬طعم‭ ‬السعادة‭ ‬والرومانسية،‭ ‬خصوصا‭ ‬حين‭ ‬تسيل‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬زجاج‭ ‬نوافذ‭ ‬السيارات‭ ‬ونحن‭ ‬نقودها،‭ ‬أنا‭ ‬شخصياً‭ ‬أحس‭ ‬بطعم‭ ‬المتعة‭ ‬والسعادة‭ ‬إذ‭ ‬أظلّ‭ ‬أتجول‭ ‬بالسيارة‭ ‬مستمتعاً‭ ‬بهذه‭ ‬الومضات‭ ‬الشتوية‭ ‬الجميلة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬صخب‭ ‬الحياة‭ ‬والسياسة‭ ‬والضغوط‭ ‬اليومية،‭ ‬وزحمة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬حولنا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أخبار‭ ‬وشائعات‭ ‬نكد‭ ‬تبثها‭ ‬جيوش‭ ‬الذباب‭ ‬الإلكتروني‭! ‬فقد‭ ‬دأبنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬الصغير‭ ‬الحالم،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإفطار‭ ‬سياسة‭ ‬والغداء‭ ‬أخبار‭ ‬والعشاء‭ ‬شائعات،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تذويب‭ ‬مشاعرنا‭ ‬وغمسها‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاحتقاني‭! ‬وهذه‭ ‬آفة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخارجة‭ ‬من‭ ‬أفران‭ ‬السياسة‭ ‬طرية‭.‬

ليتنا‭ ‬اليوم‭ ‬نلتفت‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬لسر‭ ‬الحياة‭ ‬ورقتها‭ ‬ورؤية‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬وخير‭ ‬ومحبة‭ ‬وشعور‭ ‬بالحب‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬زرع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬طيب‭ ‬وجميل‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬ونجعل‭ ‬الحياة‭ ‬سهلة‭ ‬وبسيطة‭ ‬وغير‭ ‬معقدة،‭ ‬الطقس‭ ‬بغيومه‭ ‬وشمسه‭ ‬الدافئة‭ ‬فرصة‭ ‬للانطلاق‭ ‬بحيوية‭ ‬والتمتع‭ ‬بفتح‭ ‬رئتنا‭ ‬لتنفس‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭ ‬الشتوي‭ ‬الجميل‭ ‬بمنظر‭ ‬الأزهار‭ ‬والأشجار‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬الشوارع‭ ‬والتي‭ ‬أجزم‭ ‬بأن‭ ‬كثيرين‭ ‬لا‭ ‬يعيرونها‭ ‬انتباهاً،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬لأنه‭ ‬مشغولٌ‭ ‬بتجاوز‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬بسباق‭ ‬مع‭ ‬السائق‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسرق‭ ‬منه‭ ‬أولوية‭ ‬المرور،‭ ‬هكذا‭ ‬نحن‭ ‬متورطون‭ ‬بأسبقية‭ ‬العبور‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ملاحظة‭ ‬تفتح‭ ‬أزهار‭ ‬الطريق‭.‬

هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬بوسعها‭ ‬أن‭ ‬تسعدنا‭ ‬فقط‭ ‬لو‭ ‬نتوقف‭ ‬ونتأملها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الركض‭ ‬السريع‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يلمع‭ ‬حولنا،‭ ‬فليست‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل‭ ‬الضاغطة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وليست‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬التافهة‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬سعادتنا‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأنها‭ ‬أمور‭ ‬عابرة‭ ‬لو‭ ‬فكرنا‭ ‬بها‭ ‬إيجابياً‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تركها‭ ‬تحاصرنا‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬وتدخلنا‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬من‭ ‬يكسب‭ ‬أولاً‭!‬

 

تنويرة‭:

‬حين‭ ‬تُعْرض‭ ‬عليك‭ ‬سلعة‭ ‬مجانية‭ ‬تحسس‭ ‬جيبك‭.‬