ثقافة “السنع”

| عباس العمران

في‭ ‬اتصال‭ ‬لأحد‭ ‬القراء‭ ‬المحترمين‭ ‬سألني‭ ‬متحيراً‭: ‬أخبرني‭ ‬كيف‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المدير‭ ‬المتعجرف‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬“كاتلوك”‭ ‬شخصيته‭ ‬الغريبة‭ ‬دراسة‭ ‬متأنية‭ ‬لتفهم‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬وما‭ ‬يكره‭ ‬وكيف‭ ‬ومتى؟‭ ‬فمثلا‭ ‬من‭ ‬عاداته‭ ‬التي‭ ‬تكشفُ‭ ‬لك‭ ‬حقيقة‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يبدأ‭ ‬بالسلام‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬الموظفين‭ ‬أبداً،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تُبادره‭ ‬بالسلام‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬جالسا‭ ‬أم‭ ‬ماشياً،‭ ‬وإلا‭ ‬عليك‭ ‬تحمل‭ ‬عاقبة‭ ‬ذلك،‭ ‬وقال‭ ‬ساخراً‭ (‬خبرك‭ ‬لزوم‭ ‬الهيبة‭ ‬المصطنعة‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مفردات‭ ‬“السنع”‭ ‬مثل‭ ‬“لو‭ ‬سمحت”‭ ‬و”شكرا‭ ‬جزيلا”‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬قاموسه‭ ‬بتاتا،‭ ‬بالمختصر‭ ‬هو‭ ‬“قليل‭ ‬سنع”‭.‬

نعاني‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فقاعة‭ ‬الهيبة‭ ‬الكارتونية‭ ‬عندما‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬المنصب،‭ ‬وهم‭ ‬بعيدون‭ ‬للغاية‭ ‬عن‭ ‬جوهر‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬يشغلونه،‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هم‭ ‬بعيدون‭ ‬لدرجة‭ ‬أنهم‭ ‬باتوا‭ ‬يتقمصون‭ ‬شخصيات‭ ‬وهمية‭ ‬صاغتها‭ ‬مخيلتهم‭ ‬ومختلفة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬شخصيتهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬خارج‭ ‬أوقات‭ ‬العمل‭. ‬مسؤولون‭ ‬غارقون‭ ‬في‭ ‬البروتوكولات‭ ‬المكتبية،‭ ‬وعزلوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬عن‭ ‬المراجعين،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬موظفيهم‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكدتهُ‭ ‬لي‭ ‬إحدى‭ ‬الأخوات‭ ‬عندما‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬مديرة‭ ‬الدائرة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬يُسمح‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يقابلها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬مكتبها‭ ‬أو‭ ‬طلب‭ ‬المجيء‭ ‬للسلام‭ ‬والتحية،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬أمرٍ‭ ‬طارئٍ‭ ‬ما،‭ ‬يطلب‭ ‬منك‭ ‬طاقم‭ ‬مكتبها‭ ‬كتابة‭ ‬رسالة‭ ‬مختصرة‭ ‬تشرح‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬والانصراف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الرد‭ ‬عليك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الهاتف‭. ‬

يُذكرني‭ ‬هذا‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬الشقيقة‭ ‬مؤخراً‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬أوامر‭ ‬عليا‭ ‬بخلع‭ ‬أبواب‭ ‬مكاتب‭ ‬المدراء‭ ‬جميعهم،‭ ‬وإجبارهم‭ ‬على‭ ‬مقابلة‭ ‬المراجعين‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬الاختباء‭ ‬خلف‭ ‬أبواب‭ ‬المكاتب‭ ‬المخملية‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬العاج‭ ‬الثمين‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬لكل‭ ‬مسؤول‭ ‬يتعامل‭ ‬بتعجرف‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬ولا‭ ‬يقابل‭ ‬المراجعين‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬أصول‭ ‬التعامل‭ ‬معهم،‭ ‬نقول‭ ‬له‭ ‬بلهجتنا‭ ‬الجميلة‭: ‬“‭ ‬تعلم‭ ‬السنع”‭.‬