ركاكة الشراكة الروسية التركية الإيرانية في سوريا بأبعادها الإقليمية (1)

| راغدة درغام

ليسوا‭ ‬وحدهم‭ ‬شركاء‭ ‬تفاهمات‭ ‬“أستانا”‭ ‬حول‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬الشكوك‭ ‬المتبادلة‭ ‬والتموضع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخر‭ ‬إقليمياً‭ ‬عبر‭ ‬البوابة‭ ‬السورية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬اللاعِبيّن‭ ‬الأميركي‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬يتداخلان‭ ‬مع‭ ‬الثلاثي‭ ‬الروسي‭ ‬–‭ ‬الإيراني‭ ‬–‭ ‬التركي‭ ‬ميدانياً‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬التنافس‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الإقليمي‭.‬

الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬مازال‭ ‬حيويّاً‭ ‬للديبلوماسية‭ ‬الروسية‭ ‬لأنه‭ ‬مفتاح‭ ‬شرعنة‭ ‬تواجدها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬عسكرياً‭ ‬واستراتيجياً‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التواجد‭ ‬أتى‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬عكس‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأميركي‭ ‬للعراق‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الروسية‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬فخوراً‭ ‬بإنجازاته‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬الهيبة‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬قد‭ ‬حاول‭ ‬اقتلاعها‭ ‬عبر‭ ‬البوابة‭ ‬الليبية‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالتموضع‭ ‬استراتيجياً‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬في‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬شبه‭ ‬دائمة‭ ‬لعقود‭.‬

لكن‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الاطمئنان‭ ‬لأن‭ ‬سوريا‭ ‬مازالت‭ ‬مشروع‭ ‬تورّط‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬واستنزاف،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يثق‭ ‬بالنوايا‭ ‬والادعاءات‭ ‬الأميركية‭ ‬ولا‭ ‬بشريكيه‭ ‬الإيراني‭ ‬والتركي‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬السوري،‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوماً‭ ‬منبثقة‭ ‬من‭ ‬ارتياحٍ‭ ‬له‭ ‬بل‭ ‬رافقتها‭ ‬دوماً‭ ‬الشكوك‭ ‬بغاياته‭ ‬ونزاهته‭ ‬وطموحاته‭ ‬والاضطراب‭ ‬من‭ ‬شخصيته،‭ ‬فما‭ ‬يجمع‭ ‬الرجلان‭ ‬من‭ ‬قاسمٍ‭ ‬مشترك‭ ‬يفرّقهما،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬مصابٌ‭ ‬بالغرور‭ ‬والغطرسة‭ ‬ولا‭ ‬يطيق‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬عمقه‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬من‭ ‬اشتباكات‭ ‬روسية‭ ‬–‭ ‬تركية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً‭ ‬وهو‭ ‬خطير،‭ ‬والأخطر‭ ‬لربما‭ ‬آتٍ‭ ‬لأن‭ ‬مشروعي‭ ‬بوتين‭ ‬وأردوغان‭ ‬يتضاربان‭ ‬جذرياً‭ ‬إقليمياً‭ ‬فيما‭ ‬يتعاونان‭ ‬سورياً،‭ ‬فأردوغان‭ ‬يتبنى‭ ‬عملياً‭ ‬إدارة‭ ‬طموحات‭ ‬جماعة‭ ‬“الإخوان‭ ‬المسلمين”‭ ‬ويدفع‭ ‬بها‭ ‬بأي‭ ‬ثمنٍ‭ ‬كي‭ ‬تشق‭ ‬له‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬مجد‭ ‬قيادة‭ ‬السُنّة،‭ ‬أما‭ ‬بوتين‭ ‬فإنه‭ ‬يعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬وكل‭ ‬أدوات‭ ‬القتال‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬أردوغان‭ ‬إرهابية‭ ‬وتدميرية‭ ‬للطموحات‭ ‬الروسية‭. ‬طاقة‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬مشاريع‭ ‬القيادة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تتّسع‭ ‬مع‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هضمها‭ ‬المشاريع‭ ‬التركية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كليهما‭ ‬شريك‭ ‬ميداني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

فإيران‭ ‬حليف‭ ‬استراتيجي‭ ‬لروسيا‭ ‬تكرّس‭ ‬أذرعها‭ ‬للقتال‭ ‬بجانب‭ ‬روسيا‭ ‬دعماً‭ ‬للنظام‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬بحسب‭ ‬التفكير‭ ‬الروسي‭ ‬شريكاً‭ ‬صغيراً‭ ‬junior‭ ‬يسبّب‭ ‬لها‭ ‬مشاكل‭ ‬كبيرة‭. ‬علاقة‭ ‬روسيا‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬مثلاً،‭ ‬متطوّرة‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬إيران،‭ ‬وهناك‭ ‬علاقة‭ ‬شخصية‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتانياهو‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬بأن‭ ‬يبدو‭ ‬مدلّلاً‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لدى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬لدى‭ ‬بوتين‭ ‬وأردوغان‭ ‬معاً،‭ ‬حسب‭ ‬مزاعمه‭. ‬فقد‭ ‬صرّح‭ ‬نتانياهو‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬ساخراً‭ ‬بأن‭ ‬أردوغان‭ ‬يسمّيه‭ ‬“هتلر”‭ ‬لكن‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتركيا‭ ‬“منتعشة”‭. ‬

وفي‭ ‬خِضمّ‭ ‬المعركة‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والمحور‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬النظام‭ ‬وإيران‭ ‬وروسيا،‭ ‬قصفت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مواقع‭ ‬سورية‭ ‬–‭ ‬إيرانية‭ ‬بقرب‭ ‬دمشق‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬غارات‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬اغتيال‭ ‬قائد‭ ‬“فيلق‭ ‬القدس”‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬عزمها‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬التموضع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬إزاء‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المتداخل‭ ‬والمعقّد،‭ ‬يطلّ‭ ‬العملاق‭ ‬الأميركي‭ ‬حيناً‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬ويلقِي‭ ‬بظِلاله‭ ‬حيناً‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬الآخرين‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬يزهو‭ ‬بثوبٍ‭ ‬جديد‭ ‬يرتديه‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬إنهاء‭ ‬جهود‭ ‬عزله‭ ‬واثقاً‭ ‬أن‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬وأن‭ ‬عواصم‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬سياساتها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬بقائه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لخمس‭ ‬سنوات‭ ‬مقبلة‭. ‬“إيلاف”‭.‬