زبدة القول

حرب بيولوجية... أم وجبات خفافيش!

| د. بثينة خليفة قاسم

فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬هو‭ ‬حديث‭ ‬العالم،‭ ‬وكل‭ ‬يبكي‭ ‬على‭ ‬ليلاه‭ ‬وكل‭ ‬يفسر‭ ‬على‭ ‬هواه،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬سبب‭ ‬تفشي‭ ‬المرض‭ ‬هو‭ ‬وجبات‭ ‬الخفافيش‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬الصينيون،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الخفافيش‭ ‬تعد‭ ‬مأوى‭ ‬لآلاف‭ ‬الفيروسات،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬بيولوجية‭ ‬معلنة‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬الصين‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬وصل‭ ‬اقتصادها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتقبلها‭ ‬الدولة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬ويقول‭ ‬مروجو‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬تم‭ ‬تخليقه‭ ‬في‭ ‬معامل‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬بالجمع‭ ‬بين‭ ‬فيروس‭ ‬الأيدز‭ ‬وفيروس‭ ‬آخر،‭ ‬وهناك‭ ‬المفسرون‭ ‬العرب‭ ‬المسلمون‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬انتقام‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬بسبب‭ ‬اضطهاد‭ ‬الصين‭ ‬مسلمي‭ ‬الآيغور‭.‬

والأغرب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بتخليق‭ ‬الفيروس‭ ‬الجديد،‭ ‬وأن‭ ‬الخفافيش‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬هرب‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬المعامل‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬ووهان‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬للمرض‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬هذه‭ ‬الخفافيش‭ ‬إليها‭!‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬معلومات‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬خطير‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬للشائعات‭ ‬والتكهنات،‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬هذا‭ ‬تبقى‭ ‬مقولة‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬حرب‭ ‬بيولوجية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬مدعاة‭ ‬للرعب‭ ‬لأنها‭ ‬تنبئ‭ ‬بأن‭ ‬الحرب‭ ‬القادمة‭ ‬حرب‭ ‬بيولوجية‭ ‬وليست‭ ‬حرب‭ ‬صواريخ‭ ‬وقنابل‭.‬

الحرب‭ ‬البيولوجية‭ ‬أمر‭ ‬مرعب‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأطراف‭ ‬الصراع،‭ ‬لكن‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع،‭ ‬ولعلنا‭ ‬نتذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬طرود‭ ‬الجمرة‭ ‬الخبيثة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬إرسالها‭ ‬في‭ ‬مظاريف‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠١‬،‭ ‬وظن‭ ‬كثيرون‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬إرسال‭ ‬هذه‭ ‬الطرود‭ ‬القاتلة،‭ ‬ثم‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬مصدرها‭ ‬عالم‭ ‬أميركي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدفاع‭ ‬البيولوجي،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬أن‭ ‬طرود‭ ‬الجمرة‭ ‬الخبيثة‭ ‬حينها‭ ‬قتلت‭ ‬خمسة‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أربعة‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬مقصودين،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬وجه‭ ‬الخطر‭ ‬والرعب‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬البيولوجية‭. ‬

الحرب‭ ‬البيولوجية‭ ‬غير‭ ‬مكلفة‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تستطيع‭ ‬قتل‭ ‬آلاف،‭ ‬وتستطيع‭ ‬تدمير‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬لأن‭ ‬الفيروس‭ ‬يبقى‭ ‬ملك‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إطلاقه‭ ‬وبعدها‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬مداه‭ ‬إلا‭ ‬الله‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬الإنسانية‭ ‬أمام‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤثرة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬يوميا‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬كل‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حصار‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬اللعين‭.‬‭ ‬لقد‭ ‬توقفت‭ ‬شخصيا‭ ‬أمام‭ ‬مشاهد‭ ‬ثلاثة‭: ‬رحيل‭ ‬الطبيب‭ ‬لي‭ ‬وين‭ ‬ليانغ‭ (‬34‭ ‬عاما‭) ‬طبيب‭ ‬العيون‭ ‬مكتشف‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬والذي‭ ‬انتقل‭ ‬إليه‭ ‬الفيروس‭ ‬أثناء‭ ‬عمله،‭ ‬والمشهد‭ ‬الثاني‭ ‬لزوجين‭ ‬صينيين‭ ‬مسنين‭ ‬أصيبا‭ ‬بالفيروس‭ ‬وظهرا‭ ‬وهما‭ ‬ممسكين‭ ‬بيدي‭ ‬بعضهما‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬وداع‭ ‬أخيرة،‭ ‬المشهد‭ ‬الثالث‭ ‬لأم‭ ‬صينية‭ ‬تعمل‭ ‬ممرضة‭ ‬ضمن‭ ‬مستشفى‭ ‬لعلاج‭ ‬مرضى‭ ‬فيروس‭ ‬“كورونا”،‭ ‬أُجبرت‭ ‬على‭ ‬توديع‭ ‬ابنتها‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها،‭ ‬فليتعظ‭ ‬العالم‭ ‬المتمدين‭.‬