التعايش والتسامح

| د. عبدالله الحواج

لم‭ ‬تكن‭ ‬محاضرة‭ ‬الخبير‭ ‬الدولي‭ ‬والأستاذ‭ ‬الأكاديمي‭ ‬جيفري‭ ‬ساكس‭ ‬مجرد‭ ‬مرور‭ ‬عابر‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الاستدامة‭ ‬كونها‭ ‬عملًا‭ ‬تنمويًا‭ ‬خالصًا،‭ ‬لكنها‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬نحو‭ ‬الأسبوع‭ ‬على‭ ‬انعقادها‭ ‬بدعوة‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬ورغم‭ ‬العنوان‭ ‬العريض‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬خليطًا‭ ‬محبوبًا‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والمكان،‭ ‬ثم‭ ‬بين‭ ‬الزمان‭ ‬وصيرورته‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬الأشياء،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرؤية‭ ‬المزدوجة‭ ‬للأكاديمي‭ ‬العالمي‭ ‬كانت‭ ‬مشعة‭ ‬بالأفكار‭ ‬الحيوية،‭ ‬والسجايا‭ ‬المحبة‭ ‬للسلام،‭ ‬والمتعطشة‭ ‬للقبول‭ ‬بالآخر‭ ‬واحترام‭ ‬مكنونه‭ ‬التراثي‭ ‬العظيم‭.‬

إن‭ ‬فكرة‭ ‬التعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬ستظل‭ ‬فكرة‭ ‬تدافع‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الشعوب،‭ ‬والتعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬سيظل‭ ‬نظامًا‭ ‬كونيًا‭ ‬لحياة‭ ‬أكثر‭ ‬أمنًا‭ ‬واستقرارًا،‭ ‬لذلك‭ ‬تطرق‭ ‬المحاضر‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬للتعايش‭ ‬والتسامح،‭ ‬باعتباره‭ ‬أنموذجًا‭ ‬لمملكة‭ ‬دستورية‭ ‬ولدولة‭ ‬عصرية‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وترسي‭ ‬قواعد‭ ‬الأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬الحميدة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التنوع‭ ‬والقبول‭ ‬بالآخر‭ ‬واحترام‭ ‬ثقافته‭ ‬وديانته‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده‭ ‬وممارساته‭ ‬ومناسكه‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬للبحرين‭ ‬أسبقيتها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مكانًا‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬لتعايش‭ ‬المقيمين،‭ ‬وأكثر‭ ‬إتقانًا‭ ‬لفهم‭ ‬لغات‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬أمم‭ ‬أخرى‭ ‬انغلقت،‭ ‬ومن‭ ‬شعوب‭ ‬أخرى‭ ‬انكفأت،‭ ‬ومن‭ ‬أعراق‭ ‬أخرى‭ ‬آثرت‭ ‬الانزواء‭ ‬فانزوت،‭ ‬وزالت‭.‬

مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬للتعايش‭ ‬والتسامح،‭ ‬أو‭ ‬دور‭ ‬الحكومة‭ ‬الموقرة‭ ‬برئاسة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬التناغم‭ ‬الذكي‭ ‬والفطين‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬وضع‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬ترحب‭ ‬بالضيف‭ ‬وكأنه‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬عشيرته‭ ‬وأهله،‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يبيع‭ ‬مستقبله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حاضره،‭ ‬أو‭ ‬يضحي‭ ‬بحاضره‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غربة‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع‭.‬

من‭ ‬يأتي‭ ‬للبحرين‭ ‬ضيفًا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أبدًا‭ ‬غريبًا،‭ ‬ومن‭ ‬يقصدها‭ ‬آمنًا‭ ‬مطمئنًا‭ ‬مصافحًا،‭ ‬فإن‭ ‬المملكة‭ ‬وقادتها‭ ‬وشعبها،‭ ‬سيمدون‭ ‬له‭ ‬يد‭ ‬الكرم‭ ‬والعطاء‭ ‬والسلام‭.‬

إن‭ ‬ديننا‭ ‬الحق‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬سلام،‭ ‬وأمتنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تعيش‭ ‬ضمن‭ ‬مبادئ‭ ‬أرساها‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلوات‭ ‬وأزكى‭ ‬السلام‭.‬

أمتنا‭ ‬أمة‭ ‬تعايش‭ ‬وتسامح،‭ ‬أمة‭ ‬تنوع‭ ‬واحترام‭ ‬للمختلف‭ ‬وصون‭ ‬عقائده‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬لا‭ ‬إقصاء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لأحد،‭ ‬ولا‭ ‬إبعاد‭ ‬لكائن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬عرقه‭ ‬أو‭ ‬أصله‭ ‬أو‭ ‬فصله‭ ‬أو‭ ‬جنسه،‭ ‬أو‭ ‬لونه‭ ‬أو‭ ‬دينه،‭ ‬أو‭ ‬طائفته‭ ‬تفرض‭ ‬عليه‭ ‬منسكًا،‭ ‬أو‭ ‬تقطع‭ ‬عليه‭ ‬وعدًا،‭ ‬أو‭ ‬تتلامس‭ ‬مع‭ ‬مشاعره‭ ‬بعقيدة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تحترمه‭ ‬البحرين،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬ينضوي‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬آمنة‭ ‬بأن‭ ‬الاستدامة‭ ‬في‭ ‬النماء،‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأء‭ ‬من‭ ‬الاستدامة‭ ‬في‭ ‬المحبة‭ ‬والقبول‭ ‬بالاختلاف،‭ ‬والنزول‭ ‬بفهم‭ ‬عميق‭ ‬إلى‭ ‬أساليبه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬الأسرة،‭ ‬ومبادئه‭ ‬في‭ ‬صون‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمع‭.‬

جيفري‭ ‬ساكس‭ ‬أصاب‭ ‬كيد‭ ‬الحقيقة‭ ‬والتقى‭ ‬بموضوعية‭ ‬شديدة‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬بحرينية‭ ‬خالصة،‭ ‬وقيم‭ ‬إنسانية‭ ‬أصيلة،‭ ‬وتعايش‭ ‬وتسامح‭ ‬واستدامة‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬السبع‭ ‬نجوم،‭ ‬والسنوات‭ ‬القمرية‭ ‬المضيئة،‭ ‬والعالم‭ ‬الأكثر‭ ‬فهمًا‭ ‬للآخر،‭ ‬والأعمق‭ ‬إرساءً‭ ‬لمبادئه،‭ ‬وصون‭ ‬قيمه‭ ‬وأحلامه‭.‬