ستة على ستة

على هامش كورونا

| عطا السيد الشعراوي

من‭ ‬المحزن‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬أصوات‭ ‬شاذة‭ ‬تسير‭ ‬عكس‭ ‬الشعور‭ ‬الإنساني‭ ‬الطبيعي‭ ‬والمتوقع‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الصين‭ ‬تحديدا‭ ‬نتيجة‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتجه‭ ‬ليكون‭ ‬وباء‭ ‬عالميا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الارتفاع‭ ‬المتسارع‭ ‬لعدد‭ ‬الحالات‭ ‬المصابة‭ ‬وتمكن‭ ‬الفيروس‭ ‬من‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬دون‭ ‬ظهور‭ ‬مؤشرات‭ ‬أو‭ ‬بوادر‭ ‬للسيطرة‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬التوصل‭ ‬لعلاج‭ ‬له‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات،‭ ‬وجدنا‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬صفقات‭ ‬وأرباح‭ ‬ومكاسب‭ ‬نتيجة‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الصين‭ ‬وكيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬استفادة‭ ‬ممكنة‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الإنساني‭ ‬المؤلم‭ ‬ودون‭ ‬إبداء‭ ‬أي‭ ‬تعاطف‭ ‬أو‭ ‬حزن‭ ‬على‭ ‬المصابين‭ ‬والموتى‭  ‬جراء‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭.‬

آخرون‭ ‬انساقوا‭ ‬وراء‭ ‬تفسيرات‭ ‬عجيبة‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬الصين‭ ‬هو‭ ‬جزاء‭ ‬ما‭ ‬اقترفته‭ ‬الدولة‭ ‬بحق‭ ‬المسلمين‭ ‬هناك،‭ ‬وكأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬مخاطر‭ ‬الفيروس‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الصين‭ ‬بكثير‭ ‬وتهدد‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬وتفتك‭ ‬بالكثيرين،‭ ‬كما‭ ‬خفي‭ ‬عنهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفيروسات‭ ‬السلوكية‭ ‬والقيمية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والتي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬في‭ ‬مخاطرها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬عن‭ ‬كورونا‭ ‬لأنها‭ ‬قد‭ ‬تدمر‭ ‬أمما‭ ‬وتودي‭ ‬بمجتمعات‭.‬

رغم‭ ‬أننا‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬نردد‭ ‬بأننا‭ ‬نعيش‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬والانفتاح،‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬بات‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬للحدود‭ ‬أي‭ ‬اعتبار،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قاصر‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬كالتكنولوجيا‭ ‬والاتصال‭ ‬والمعلومات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العولمة‭ ‬تتلاشى‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬ومقاومتها‭ ‬حين‭ ‬تتعلق‭ ‬بالشعور‭ ‬الإنساني‭ ‬والتعاطف‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المصائب‭ ‬والكوارث،‭ ‬فتسود‭ ‬الأنانية‭ ‬والعزلة‭ ‬وتظهر‭ ‬الشماتة‭ ‬في‭ ‬أحزان‭ ‬الغير‭.‬

لقد‭ ‬كشف‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬عن‭ ‬عيوب‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الليبرالية‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬اقتصاده‭ ‬وتجارته‭ ‬وحاجتها‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاسترشاد‭ ‬والاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬قواعد‭ ‬إنسانية‭ ‬لضبطها‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬الانفلات‭ ‬والجموح،‭ ‬وأظهر‭ ‬مدى‭ ‬حاجتنا‭ ‬نحن‭ ‬كعرب‭ ‬ومسلمين‭ ‬لوقفة‭ ‬مع‭ ‬قيمنا‭ ‬وأخلاقنا‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬إسلامنا‭ ‬وديننا‭.‬