السلوك الإيراني في سوريا بعد سليماني (1)

| منذر محمد

بعد‭ ‬أن‭ ‬استمر‭ ‬التغلغل‭ ‬الإيراني‭ ‬ضمن‭ ‬النسيج‭ ‬السوري‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات،‭ ‬بدأت‭ ‬تزداد‭ ‬حالة‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬التي‭ ‬تتفاقم‭ ‬يوماً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬ضد‭ ‬الميليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬والوجود‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬ليصل‭ ‬مستوى‭ ‬الغضب‭ ‬والاستياء‭ ‬إلى‭ ‬أوساط‭ ‬المنتسبين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البادية‭ ‬السورية‭ ‬الذين‭ ‬انخرطوا‭ ‬ضمن‭ ‬الفرق‭ ‬التي‭ ‬شكلتها‭ ‬إيران،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬والبوكمال،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسربت‭ ‬معلومات‭ ‬وأكدها‭ ‬المرصد‭ ‬السوري‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬أبلغت‭ ‬النظام‭ ‬نية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬الواصل‭ ‬بين‭ ‬بغداد‭ ‬وبيروت‭ ‬في‭ ‬البادية‭ ‬السورية،‭ ‬أي‭ ‬عند‭ ‬الشريط‭ ‬الحدودي‭ ‬مع‭ ‬العراق،‭ ‬والهجمات‭ ‬الجوية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬الميليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬الزور‭ ‬والميادين‭ ‬والبوكمال‭ ‬بشكل‭ ‬متصاعد‭ ‬تؤكد‭ ‬هذه‭ ‬النية‭ ‬الأميركية،‭ ‬فهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬تكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬حيوية‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الممر‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬شريان‭ ‬وعصب‭ ‬الحياة‭ ‬للمشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬بغداد‭ ‬بدمشق‭ ‬وبيروت‭ ‬ضمن‭ ‬مطامع‭ ‬إيران‭ ‬التوسعية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تتراكم‭ ‬معاناة‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والمنطقة‭ ‬الحدودية‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬الفرات،‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إيران‭ ‬وميليشياتها‭ ‬من‭ ‬تجنيد‭ ‬أبناء‭ ‬المنطقة‭ ‬بموجب‭ ‬إعفائهم‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬ضمن‭ ‬صفوف‭ ‬قوات‭ ‬النظام‭ ‬السوري،‭ ‬وإرجاع‭ ‬البيوت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬لأصحابها‭ ‬الأصليين‭ ‬وتقديم‭ ‬المغريات‭ ‬ومبالغ‭ ‬مالية‭ ‬شريطة‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الميلشيات‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬السطوة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وتقبلهم‭ ‬الأدبيات‭ ‬السياسية‭ ‬الإيرانية‭ (‬تصدير‭ ‬الثورة‭)‬،‭ ‬وأمام‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬تتصاعد‭ ‬حالة‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬تتوالى‭ ‬المظاهرات‭ ‬الرافضة‭ ‬للوجود‭ ‬الإيراني،‭ ‬ودعوات‭ ‬موجهة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬تطالب‭ ‬بطرد‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات،‭ ‬وبدأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬موجة‭ ‬الانشقاقات‭ ‬عن‭ ‬الفرق‭ ‬الإيرانية،‭ ‬واستطاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬مقاتلا‭ ‬الانشقاق‭ ‬عن‭ ‬لواء‭ ‬القدس‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬مدينة‭ ‬الميادين‭ ‬بسبب‭ ‬الزج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البادية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لهجمات‭ ‬متكررة‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وخوفاً‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬استهداف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الهجمات‭ ‬الجوية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬الميليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬الزور‭ ‬والمناطق‭ ‬المجاورة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬النفور‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬الزور‭ ‬والمناطق‭ ‬الأخرى‭ ‬عمدت‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬توزيع‭ ‬كتب‭ ‬تلمع‭ ‬صورة‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬الإيراني‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬الذي‭ ‬اغتالته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬توزيع‭ ‬نسخ‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬عناصرها‭ ‬المحليين‭ ‬ويتضمن‭ ‬سيرة‭ ‬حياة‭ ‬سليماني‭ ‬في‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬من‭ ‬المناصب‭ ‬ووصولاً‭ ‬إلى‭ ‬قيادته‭ ‬فيلق‭ ‬القدس،‭ ‬كما‭ ‬يتضمن‭ ‬الكتاب‭ ‬أقوالاً‭ ‬وخطباً‭ ‬له‭ ‬وكأن‭ ‬سليماني‭ ‬شخص‭ ‬ينتمي‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يوضح‭ ‬مدى‭ ‬الهجمة‭ ‬الناعمة‭ ‬بشكلها‭ ‬المكثف‭ ‬وتتجلى‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬المعالم‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وحالة‭ ‬الغضب‭ ‬والنفور‭ ‬المتزايد‭ ‬مؤخراً‭ ‬توضح‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬مدى‭ ‬الضغط‭ ‬الممارس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬حدوث‭ ‬متغيرات‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬مهندس‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬نجاح‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬إخضاع‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬لسياستها‭ ‬وحصد‭ ‬أكبر‭ ‬تأثير‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬داخل‭ ‬النسيج‭ ‬السوري‭ ‬وتبين‭ ‬مدى‭ ‬ضعف‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬قياساً‭ ‬بمدى‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬“إيلاف”‭.‬