“بلوك تشين”.. وجهة نظر شرعية

| د.أحمد أسعد

يعد‭ ‬بلوك‭ ‬تشين‭ ‬أداة‭ ‬لإدارة‭ ‬قواعد‭ ‬بيانات‭ ‬المعاملات،‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬المعاملات‭ ‬الرقمية‭ ‬الموزعة‭ (‬الخوارزميات‭)‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬الاتصالات‭ ‬العالمية،‭ ‬إذ‭ ‬يتمكن‭ ‬أطراف‭ ‬التعاقد‭ ‬في‭ ‬المعاملات‭ ‬المالية‭ ‬والتجارية‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬الصفقات‭ ‬دون‭ ‬وسيط‭ ‬أو‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭.‬

ويتم‭ ‬تسجيل‭ ‬هذه‭ ‬المعاملات‭ ‬ككتل‭ ‬رقمية‭ (‬Blocks‭) ‬مشفرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تعديلها‭ ‬أو‭ ‬حذفها‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬مهامها‭ ‬إدارة‭ ‬العقود،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬العقود‭ ‬كالشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬والعقارية‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬تقنية‭ ‬“بلوك‭ ‬تشين”‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬العقود‭ ‬وإدارتها‭ ‬وتأمينها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬خطوات‭ ‬التوريد‭ ‬من‭ ‬تدفق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬والأفراد،‭ ‬والمعلومات‭ ‬والخدمات‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬والمنتجات‭ ‬من‭ ‬الموردين‭ ‬إلى‭ ‬المصنع‭ ‬ثم‭ ‬المخازن‭ ‬وإلى‭ ‬شركات‭ ‬التوزيع‭ ‬انتهاء‭ ‬بالعملاء‭.‬

وأما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأمن‭ ‬المعلومات؛‭ ‬فإن‭ ‬التقنية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأصول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬سجل‭ ‬ملكية‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختراقه‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للتقنية‭ ‬دور‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أنظمة‭ ‬السجلات‭ ‬الشخصية‭. ‬

وتسهل‭ ‬“بلوك‭ ‬تشين”‭ ‬إجراء‭ ‬المدفوعات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وعملية‭ ‬تحويل‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مستفيد،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وسيط‭ ‬أو‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬تقييمها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬شرعية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬التصور‭ ‬السابق؛‭ ‬فإنه‭ ‬يجوز‭- ‬والله‭ ‬أعلم‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬المؤسسات‭ ‬التقنية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬للمستخدمين‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬أفرادا‭ ‬أم‭ ‬مؤسسات،‭ ‬بموجب‭ ‬عقود‭ ‬اشتراك‭ ‬أو‭ ‬نحوها،‭ ‬نظير‭ ‬أجر‭ ‬معين‭.‬

ويكيف‭ ‬العقد‭ ‬بين‭ ‬المؤسسة‭ ‬التقنية‭ ‬وزبائنها‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عقد‭ ‬إجارة‭ ‬مشتركة‭ ‬بينهما،‭ ‬يخضع‭ ‬لشروط‭ ‬عقد‭ ‬الإجارة‭ ‬وأحكامه‭ ‬عموما،‭ ‬ولشروط‭ ‬أحكام‭ ‬عقد‭ ‬الإجارة‭ ‬مع‭ ‬أجير‭ ‬مشترك‭ ‬خصوصا‭.‬

والمستند‭ ‬الشرعي‭ ‬لذلك‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الإباحة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تخلو‭ ‬مما‭ ‬يصادم‭ ‬قواعد‭ ‬المعاملات‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية؛‭ ‬فإن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬إبرام‭ ‬العقود‭ ‬الإباحة‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬الوسائل‭ ‬تتحقق‭ ‬بها‭ ‬المتطلبات‭ ‬الشرعية‭ ‬لإبرام‭ ‬العقود‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬تأصيل‭ ‬المبادئ‭ ‬والمعايير‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إليها‭ ‬تقنية‭ ‬“البلوك‭ ‬تشين”‭ ‬وهي‭ ‬كالآتي‭:‬

أولا‭: ‬الصيغة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬الانعقاد‭ (‬الإيجاب‭ ‬والقبول‭) ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬التراضي‭ ‬في‭ ‬التعاقد‭. ‬ويمكن‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬التراضي‭ ‬بالفعل‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬قرينة‭ ‬أخرى،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬الإيجاب‭ ‬والقبول‭ ‬اللفظي‭.‬

ثانيا‭: ‬مجلس‭ ‬العقد،‭ ‬إذ‭ ‬تلتقي‭ ‬إرادة‭ ‬المتعاقدين،‭ ‬والنظرة‭ ‬الموسعة‭ ‬له‭ ‬بالإيجاب‭ ‬الممتد‭.‬

وعرف‭ ‬مجلس‭ ‬العقد‭ ‬بأنه‭ (‬الاجتماع‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعاقد‭)‬،‭ ‬ونقصد‭ ‬بالاجتماع‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬بعد‭ ‬الإيجاب‭ ‬والطرفان‭ ‬مقبلان‭ ‬على‭ ‬التعاقد‭ ‬دون‭ ‬إعراض‭ ‬من‭ ‬أحدهما‭. ‬

وأجاز‭ ‬المعيار‭ ‬الشرعي‭ ‬الثامن‭ ‬والثلاثون‭ ‬مبدأ‭ ‬التعاقد‭ ‬بالمحادثة‭ ‬الصوتية‭ ‬أو‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬–عبر‭ ‬الإنترنت‭- ‬ومثله‭ ‬الاتصال‭ ‬الرقمي،‭ ‬إذ‭ ‬يأخذ‭ ‬أحكام‭ ‬المتعاقدين‭ ‬الحاضرين،‭ ‬وتسري‭ ‬عليه‭ ‬أحكام‭ ‬اتحاد‭ ‬مجلس‭ ‬العقد‭. ‬

ثالثا‭: ‬التثبت‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬المتعاقدين،‭ ‬حيث‭ ‬يتعين‭ ‬اتخاذ‭ ‬الاحتياطات‭ ‬والإجراءات‭ ‬الممكنة‭ ‬للتثبت‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬المتعاملين‭ ‬عبر‭ ‬الشبكة‭ ‬والتحقق‭ ‬من‭ ‬أهليتهما‭ ‬للتعاقد‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح‭ ‬النافذ‭. ‬

رابعا‭: ‬الضمان‭ ‬وتحمل‭ ‬تبعية‭ ‬الهلاك‭ ‬الذي‭ ‬يشترط‭ ‬لاستحقاق‭ ‬الربح‭.‬

ويقصد‭ ‬بالضمان‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬تلف‭ ‬المبيع‭. ‬وهو‭ ‬على‭ ‬البائع‭ ‬قبل‭ ‬التسليم‭ ‬والتسلم،‭ ‬فإذا‭ ‬تمكن‭ ‬المشتري‭ ‬من‭ ‬التسلم‭ ‬انتقل‭ ‬ضمان‭ ‬التلف‭ ‬إليه‭.‬

 

‭* ‬محاضر‭ ‬ومدرب‭ ‬رئيس‭ ‬

معهد‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسات‭ ‬المصرفية‭ ‬والمالية