ريشة في الهواء

بداية ونهاية الدولة العثمانية الجديدة

| أحمد جمعة

الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬عاشت‭ ‬أيامها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬رثة،‭ ‬ضائعة،‭ ‬ممزقة،‭ ‬فتتتها‭ ‬الدول‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تتحكم‭ ‬بالدول‭ ‬وتغزوها‭ ‬وتحتلها‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام،‭ ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬الادعاء‭ ‬نصب‭ ‬العثمانيون‭ ‬المشانق‭ ‬لأحرار‭ ‬الشام‭ ‬وجبل‭ ‬لبنان‭ ‬وكل‭ ‬أرض‭ ‬غزوها،‭ ‬وكان‭ ‬يخيل‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬سلطنتهم‭ ‬لن‭ ‬تغيب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس،‭ ‬فعاثوا‭ ‬فسادًا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬حتى‭ ‬يئس‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية‭ ‬بقيادة‭ ‬رجل‭ ‬حر‭ ‬متفتح‭ ‬الذهن‭ ‬مطلع‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬لم‭ ‬تغش‭ ‬عيناه‭ ‬عظمة‭ ‬التاج‭ ‬الكارتوني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يضعه‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬حينذاك‭ ‬فخرج‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬أطاحت‭ ‬بالدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬وأقيمت‭ ‬دولة‭ ‬حضارية‭ ‬شهد‭ ‬لها‭ ‬العالم‭ ‬بالنهضة‭ ‬والحضارة‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬السلطنة‭ ‬العجوز‭ ‬التي‭ ‬قبرت،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬حتى‭ ‬تلاميذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬وقد‭ ‬درسناها‭ ‬بالمدارس‭ ‬مذ‭ ‬كنا‭ ‬أطفالا‭.‬

اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬المراحل‭ ‬والحقب‭ ‬التي‭ ‬قطعتها‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬علاقتها‭ ‬بالجميع‭ ‬طبيعية،‭ ‬برز‭ ‬حزب‭ ‬إسلامي‭ ‬بدأ‭ ‬تدريجيًا‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة،‭ ‬وبرز‭ ‬زعيم‭ ‬يدعى‭ ‬أردوغان‭ ‬حلم‭ ‬بأنه‭ ‬يضع‭ ‬تاج‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬على‭ ‬رأسه،‭ ‬فجأة‭ ‬نهض‭ ‬وبدأ‭ ‬بتنفيذ‭ ‬حلمه‭ ‬وراح‭ ‬يغزو‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬وشمال‭ ‬العراق‭ ‬ويتدخل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬ويتحالف‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬وقضاياهم،‭ ‬وبدأ‭ ‬يعيد‭ ‬ترسيم‭ ‬حدود‭ ‬دولته‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬وراح‭ ‬ينافس‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬أحلامه‭ ‬التوسعية،‭ ‬وهو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬تاريخ‭ ‬بلاده‭ ‬العثمانية‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬ركب‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬التي‭ ‬ركبها‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬سلاطين‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬انهارت‭ ‬شر‭ ‬انهيار‭. ‬ولو‭ ‬قرأ‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬سيسير‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬المنوال‭ ‬الذي‭ ‬فجأة‭ ‬ظهر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬وصرح‭ ‬بأنه‭ ‬سيعيد‭ ‬مجد‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬أو‭ ‬قرأ‭ ‬حقاً‭ ‬تاريخ‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬هل‭ ‬وجدناه‭ ‬يتخذ‭ ‬طريقه‭ ‬وهو‭ ‬طريق‭ ‬النهاية؟

مشكلة‭ ‬أردوغان‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬حيث‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬ومع‭ ‬حلفائه‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬مشكلته‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬شعبه‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتمرد‭ ‬عليه‭ ‬وفقد‭ ‬بداية‭ ‬إسطنبول‭ ‬وفي‭ ‬طريقه‭ ‬للنهاية‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬مازال‭ ‬يحلم‭ ‬بصولجان‭ ‬السلاطين‭ ‬العثمانيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬رمزا‭ ‬للتخلف‭ ‬حتى‭ ‬لفظهم‭ ‬التاريخ‭ ‬وأصبحوا‭ ‬نقطة‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بعدما‭ ‬اتضح‭ ‬ما‭ ‬ارتكبوه‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الأرمن‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬فرنسا‭ ‬تحاكمهم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭.‬

إلى‭ ‬أين‭ ‬يقود‭ ‬العثمانيون‭ ‬القدماء‭ ‬الجدد‭ ‬دولة‭ ‬تركيا‭ ‬العلمانية؟‭ ‬وما‭ ‬حدود‭ ‬أردوغان‭ ‬وأين‭ ‬سينتهي‭ ‬به‭ ‬الحلم‭ ‬العثماني؟‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الفخ‭ ‬الليبي‭ ‬هو‭ ‬النهاية،‭ ‬أو‭ ‬يستمر‭ ‬لسنتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬حتى‭ ‬يكبر‭ ‬الفخ‭ ‬ويصبح‭ ‬الكمين‭ ‬الذي‭ ‬نصبه‭ ‬الأوروبيون‭ ‬وغيرهم‭ ‬قاتلا‭ ‬ويشهد‭ ‬نهاية‭ ‬حلم‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬الثانية‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

متعة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬تذوقها‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬اِزدِرائها‭.‬