سوالف

غريب هذا العصر الذي كثرت فيه المقابر المجانية

| أسامة الماجد

من‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬كثرة‭ ‬اللقاءات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ازدهار‭ ‬السلام‭ ‬والسلم،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تكثر‭ ‬مشاكل‭ ‬العالم‭ ‬وتشن‭ ‬مختلف‭ ‬الحروب‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتطبق‭ ‬سياسة‭ ‬الاحتواء‭ ‬الخبيثة‭ ‬والانتكاسات‭ ‬الرجعية،‭ ‬وتتم‭ ‬بصورة‭ ‬فاضحة‭ ‬تقوية‭ ‬الأجنحة‭ ‬الإرهابية‭ ‬وكأني‭ ‬بالإنسان‭ ‬يوظف‭ ‬كامل‭ ‬عبقريته‭ ‬وتحضره‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدمار‭ ‬والفناء،‭ ‬والتلذذ‭ ‬بالعيش‭ ‬في‭ ‬الإحباط‭ ‬والوجع‭ ‬واليأس‭ ‬ومسارات‭ ‬الكذب‭ ‬والنفاق‭ ‬والزيف‭.‬

غريب‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬كثرت‭ ‬فيه‭ ‬المقابر‭ ‬المجانية‭ ‬والتوترات‭ ‬ومحاولات‭ ‬إيجاد‭ ‬الفرقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الآفاق‭ ‬مفتوحة‭ ‬للإرهاب‭ ‬والانحراف،‭ ‬ونماذج‭ ‬الجرائم‭ ‬متعددة‭ ‬وتهب‭ ‬كالإعصار،‭ ‬تناقض‭ ‬شبه‭ ‬دائم‭ ‬يعيشه‭ ‬عالمنا،‭ ‬دول‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬تحتج‭ ‬ضد‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬تشجع‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬وترفضها‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬دول‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬الاتهام،‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬تعطيها‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬والمنطق‭ ‬وتبرر‭ ‬جرائمها‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬واعتزاز‭.‬

هل‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نسمي‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬بزمن‭ ‬الضياع‭ ‬والاستلاب‭ ‬والانسحاق،‭ ‬زمن‭ ‬المظاهر‭ ‬الفاجعة‭ ‬والمخزية‭ ‬والسواد‭ ‬والتشاؤم،‭ ‬العالم‭ ‬يعود‭ ‬للانطواء‭ ‬إلى‭ ‬“الداخل”‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬البشر‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬باطل‭ ‬وقبض‭ ‬الريح‭ ‬وحصاد‭ ‬الهشيم،‭ ‬أحاسيس‭ ‬عنيفة‭ ‬جامحة‭ ‬وأناس‭ ‬تكره‭ ‬الحب‭ ‬والخير‭ ‬وتهرب‭ ‬مذعورة‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭. ‬أشعر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يظل‭ ‬مصمما‭ ‬على‭ ‬الرفض‭ ‬والتحدي‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬لحظات‭ ‬حياته‭... ‬رفضه‭ ‬سلوك‭ ‬البشر‭ ‬الغريب‭ ‬والاستغراق‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬الكذب‭ ‬وسقوط‭ ‬القيم‭ ‬والاستبداد‭ ‬والاستغلال،‭ ‬والقلق‭ ‬على‭ ‬المصير‭ ‬الإنساني‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬مارك‭ ‬تويني‭. ‬

يقول‭ ‬الفيلسوف‭ ‬باسكال‭ ‬“العالم‭ ‬الحاضر‭ ‬رمز‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الباقي”،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬عالمنا‭ ‬الحاضر‭ ‬بهذه‭ ‬العبثية‭ ‬والرعب‭ ‬والدهشة‭ ‬والفجيعة،‭ ‬فذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬البشرية‭ ‬تعيش‭ ‬الفراغ‭ ‬الروحي‭ ‬الموحش‭ ‬كما‭ ‬القبر‭ ‬المظلم،‭ ‬ومعضلة‭ ‬كبرى‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬بدون‭ ‬طمأنينة‭ ‬بين‭ ‬غابات‭ ‬البشر،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬“كولن‭ ‬ويلسون”،‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬أشبه‭ ‬بظلمة‭ ‬الزنزانات‭.‬