تعوذ من الشيطان “وانطم”!

| سعيد محمد

بيَّن‭ ‬خبير‭ ‬يتقاضي‭ ‬راتب‭ ‬2308‭ ‬دنانير،‭ ‬ومستشار‭ ‬يتقاضى‭ ‬3945‭ ‬دينارا،‭ ‬وآخر‭ ‬يتقاضى‭ ‬راتبًا‭ ‬قدره‭ ‬1482‭ ‬دينارًا،‭ ‬قلت‭ ‬لنفسي‭ ‬وأنا‭ ‬أتصفح‭ ‬تفرد‭ ‬صحيفة‭ ‬“البلاد”‭ ‬بنشر‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬التحقيق‭ ‬البرلمانية‭ ‬بشأن‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬ببحرنة‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ :‬”يا‭ ‬صبي‭.. ‬هاذي‭ ‬أرزاق‭.. ‬عيِّن‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬خير”،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تساءلت‭ :‬”ألا‭ ‬يوجد‭ ‬بحرينيون‭ ‬مؤهلون‭ ‬للعمل‭ ‬كخبراء‭ ‬ومستشارين‭ ‬ويستحقون‭ ‬هذه‭ ‬الرواتب‭ ‬بجدارة؟”،‭ ‬ثم‭ ‬قلت‭ ‬أيضًا‭ :‬”تعوذ‭ ‬من‭ ‬الشيطان‭ ‬وانطم”‭.‬

منذ‭ ‬سنين،‭ ‬كتبت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬والتقارير‭ ‬حول‭ ‬“المستشارين”،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬ينطبق‭ ‬عليهم‭ ‬“مستشار‭ ‬الصمخة”،‭ ‬أو‭ ‬“المستشار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستشار”،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الحالات،‭ ‬أشرت‭ ‬فيما‭ ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬كلها،‭ ‬بدأت‭ ‬ظاهرة‭ ‬“المستشارين”‭ ‬قديمًا،‭ ‬وربما‭ ‬منذ‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬مشيخات‭ ‬الخليج‭ ‬تستعين‭ ‬بمستشارين‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬أمور‭ ‬الدولة‭ ‬وتخطيط‭ ‬حاضرها‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬وكان‭ ‬لبعض‭ ‬المستشارين‭ ‬دور‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مراحل‭ ‬تطوير‭ ‬حقيقية‭ ‬مشهودة،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬للبعض‭ ‬الآخر‭ ‬صفحات‭ ‬سوداء‭ ‬سجلت‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭.‬

من‭ ‬البديهي،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأوضاع‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬تتوالى‭ ‬بسبب‭ ‬انعدام‭ ‬الدراسات‭ ‬وتقارير‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة،‭ ‬تدفع‭ ‬للتساؤل‭: ‬“ماذا‭ ‬نستفيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬المستشارين‭ ‬والخبراء؟”،‭ ‬ومن‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬يلاحظها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬أولئك‭ ‬المستشارين‭ ‬الذين‭ ‬يتقاضون‭ ‬أجورًا‭ ‬خيالية‭ ‬وامتيازات‭ ‬لا‭ ‬يحلم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬مستواهم‭ ‬وأفضل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والطاقات‭ ‬الخلاقة،‭ ‬كانوا‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬والبرامج‭ ‬التطويرية،‭ ‬وكان‭ ‬جل‭ ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬عليه‭ ‬بعضهم‭ ‬تقديم‭ ‬التقارير‭ ‬والاستشارات‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الخيالات‭ ‬والدوافع‭ ‬الافتراضية‭ ‬غير‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬حقائق،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬سببها‭ ‬كذب‭ ‬أولئك‭ ‬المستشارين‭ ‬وعدم‭ ‬دقة‭ ‬تحليلاتهم‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬العشرين‭ ‬الماضية،‭ ‬مرت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬بأزمات‭ ‬سياسية‭ ‬ومالية‭ ‬متعددة،‭ ‬وكان‭ ‬لبعض‭ ‬المستشارين‭ ‬حضور‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬فشلهم‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الرؤى‭ ‬الواضحة‭ ‬والدقيقة‭ ‬في‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل،‭ ‬والسؤال‭: ‬“مع‭ ‬ثبوت‭ ‬فشل‭ ‬أداء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المستشارين،‭ ‬لماذا‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬الاستعانة‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تزخر‭ ‬فيه‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬العقول‭ ‬من‭ ‬أبنائها؟‭ ‬وهل‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ (‬عقدة‭ ‬الخواجة‭) ‬متأصلة‭ ‬ومؤسسة‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬ذوي‭ ‬الشعر‭ ‬الأشقر،‭ ‬أو‭ ‬أولئك‭ ‬الفطاحل‭ ‬من‭ ‬المستشارين‭ ‬العرب،‭ ‬يمتلكون‭ ‬عقولًا‭ ‬وأفكارًا‭ ‬وعبقرية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬أبناء‭ ‬البلد؟”‭.‬

عمومًا،‭ ‬حين‭ ‬تتوافر‭ ‬فرصة‭ ‬شاغرة‭ ‬لوظيفة‭ ‬“مستشار”‭.. ‬خبروني‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬والديكم‭.‬