تركيا العثمانية والمنزلق الخطير

| سربست بامرني

مع‭ ‬وصول‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬دشنت‭ ‬تركيا‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬المعاصر،‭ ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التركي‭ ‬يتعافى‭ ‬مع‭ ‬تحسن‭ ‬مضطرد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المواطنين‭ ‬وقدراتهم‭ ‬المالية‭ ‬وتوسع‭ ‬ملحوظ‭ ‬لنطاق‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومحاولة‭ ‬حل‭ ‬المسألة‭ ‬الوطنية‭ ‬الكردستانية‭.‬‭..‬إلخ،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬انعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬لتركيا‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬وفق‭ ‬سياسة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬العصرية‭ ‬والمتوازنة‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الموقع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬لتركيا‭ ‬كقوة‭ ‬إقليمية‭ ‬رئيسة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬انقلب‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب‭ ‬مع‭ ‬بروز‭ ‬الأطماع‭ ‬والطموحات‭ ‬الخيالية‭ ‬لإحياء‭ ‬الرجل‭ ‬العثماني‭ ‬المريض‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬التاريخ‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬إحياؤه‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال،‭ ‬فالموتى‭ ‬لا‭ ‬يعودون،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انزلاق‭ ‬تركيا‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬الأزمات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬كيانها‭ ‬ومستقبل‭ ‬شعوبها‭.‬

داخليا،‭ ‬عادت‭ ‬حملات‭ ‬القمع‭ ‬الدموية‭ ‬والحرب‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬كوردستان‭ ‬الشمالية‭ ‬أشد‭ ‬شراسة‭ ‬ووحشية،‭ ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬منها‭ ‬أبناء‭ ‬كوردستان‭ ‬الجنوبية‭ ‬والغربية‭ ‬وخلفت‭ ‬وراءها‭ ‬داخل‭ ‬تركيا‭ ‬وعلى‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬مئات‭ ‬القرى‭ ‬والقصبات‭ ‬المدمرة‭ ‬كليا‭ ‬وآلاف‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬والمشردين‭ ‬والمهجرين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬مسرحية‭ ‬الانقلاب‭ ‬المزعوم‭ ‬الذي‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬170‭ ‬ألف‭ ‬معتقل‭ ‬ومفصول‭ ‬ومعزول‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬قرابة‭ (‬4000‭) ‬قاض‭ ‬ووكيل‭ ‬نيابة‭ ‬عام،‭ ‬وإغلاق‭ ‬حوالي‭ (‬2000‭) ‬مؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬وإعلامية‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ (‬15‭) ‬جامعة‭ ‬وحوالي‭ (‬150‭) ‬مؤسسة‭ ‬إعلامية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وتدهورها‭ ‬المتسارع‭ ‬نتيجة‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الرهيبة‭ ‬وحملات‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والفكري‭.‬

خارجيا،‭ ‬أدت‭ ‬الطموحات‭ ‬والأطماع‭ ‬العثمانية‭ ‬الطوباوية‭ ‬وغير‭ ‬المشروعة‭ ‬إلى‭ ‬التمدد‭ ‬العسكري‭ ‬العدواني‭ ‬المرفوض‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬ومناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬واستمرار‭ ‬احتلال‭ ‬قبرص‭ ‬وحالة‭ ‬العداء‭ ‬المستمر‭ ‬مع‭ ‬اليونان‭ ‬والعلاقات‭ ‬المضطربة‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬سوءا‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وأغلبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وحتى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬المشبوهة‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬متهمة‭ ‬بالإرهاب‭.‬

النتيجة‭ ‬المنطقية‭ ‬والمتوقعة‭ ‬لهذه‭ ‬السياسات‭ ‬المتهورة‭ ‬والعدوانية‭ ‬ومحاولات‭ ‬التمدد‭ ‬العسكري‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬والواقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المزري‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الانكماش‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬وحجم‭ ‬الدين‭ ‬الخارجي‭ (‬450‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخارجية‭ ‬وتراجع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬وازدياد‭ ‬أعداد‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر‭ (‬13‭ %)‬،‭ ‬النتيجة‭ ‬الانقسام‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬التركي‭ ‬وتشظي‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬نفسه‭ ‬وتزايد‭ ‬النقمة‭ ‬الشعبية‭ ‬العارمة‭ ‬وعزلة‭ ‬حقيقية‭ ‬خانقة‭ ‬دوليا‭ ‬وإقليميا‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬احترامها‭ ‬التزاماتها‭ ‬الدولية‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬بطموحاتها‭ ‬وأطماعها‭ ‬العثمانية‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬هاوية‭ ‬السقوط‭ ‬المدوي‭ ‬للنظام‭ ‬الحاكم‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬عبثا‭ ‬إلهاء‭ ‬شعوب‭ ‬تركيا‭ ‬بمغامراته‭ ‬العسكرية‭ ‬العبثية‭ ‬الفاشلة،‭ ‬وأغلب‭ ‬الظن‭ ‬أنه‭ ‬سيخسر‭ ‬المعركة‭ ‬الانتخابية‭ ‬القادمة‭ ‬كما‭ ‬خسرها‭ ‬في‭ ‬إسطانبول‭. ‬“إيلاف”‭.‬