أسباب فشل الثورة الديمقراطيّة في إيران (2)

| حسونة المصباحي

لقد‭ ‬استغلّت‭ ‬القوى‭ ‬الثلاث‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬حكومة‭ ‬مصدّق‭ (‬الليبيراليون‭ ‬والشيوعيون‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭) ‬انعدام‭ ‬الديمقراطيّة،‭ ‬وفشل‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعيّة،‭ ‬وتضييق‭ ‬الهوّة‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والأغنياء‭ ‬لكي‭ ‬تنتصر‭ ‬في‭ ‬الثّورة‭ ‬التي‭ ‬اشتعلت‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬على‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الشاه،‭ ‬وجدت‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطيّة‭ ‬نفسها‭ ‬معزولة،‭ ‬ومرفوضة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجماهير،‭ ‬والسّبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الهجمة‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬شنّها‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬للسيّطرة‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬وعلى‭ ‬المشهد‭ ‬السياسيّ،‭ ‬كما‭ ‬تمكّن‭ ‬الخميني‭ ‬بسرعة‭ ‬مذهلة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬ما‭ ‬سمّاه‭ ‬بـ‭ ‬“ولاية‭ ‬الفقيه”‭ ‬والذي‭ ‬جعلها‭ ‬حزام‭ ‬الأمان‭ ‬لما‭ ‬سيسمّى‭ ‬بـ‭ ‬“الجمهوريّة‭ ‬الإسلاميّة”‭.‬

يقول‭ ‬مهناز‭ ‬شيرالي‭ ‬إن‭ ‬الخميني‭ ‬“أسلم‭ ‬السياسة،‭ ‬وسيّس‭ ‬الدين”‭ ‬لكي‭ ‬يفرغ‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬محتواها،‭ ‬ويحيد‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬مسارها،‭ ‬ويجعل‭ ‬منها‭ ‬وسيلة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬خصومه‭ ‬وأعدائه‭ ‬السياسييّن‭ ‬بقسوة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها،‭ ‬ويرى‭ ‬مهناز‭ ‬شيرالي‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬ظل‭ ‬مناصرو‭ ‬الخميني‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬فإن‭ ‬أمل‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬التمتع‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬دفعوا‭ ‬ويدفعون‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الثمن‭ ‬غاليا،‭ ‬سيكون‭ ‬صعب‭ ‬التحقيق‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحيلا‭ ‬مثلما‭ ‬أثبت‭ ‬الواقع‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬الشاه‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬الساعة،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬مهناز‭ ‬شيرالي‭ ‬أن‭ ‬حكام‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬يسعون‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬إلى‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬الاعتدال‭ ‬تجاه‭ ‬الغرب،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلوه‭ ‬خلال‭ ‬مفاوضات‭ ‬جينيف‭ ‬بخصوص‭ ‬المشروع‭ ‬النووي‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬شيئا‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬ذرّ‭ ‬الرماد‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬وخداع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني،‭ ‬وتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬قاسية‭ ‬أخرى‭ ‬للحركة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬داخل‭ ‬إيران،‭ ‬والتي‭ ‬تحركها‭ ‬راهنا‭ ‬قوة‭ ‬شبابية‭ ‬جديدة‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولا‭ ‬تعير‭ ‬لأفكار‭ ‬الخميني‭ ‬أيّ‭ ‬اهتمام،‭ ‬بل‭ ‬تراها‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العراقيل‭ ‬والمحرمات‭ ‬التي‭ ‬تعيقها،‭ ‬وتمنعها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أحلامها‭ ‬المنشودة‭. ‬“إيلاف”‭.‬